مؤانسات رمضانية (18) آل البربريسي يثقلون الحمل ويقللون العليق

مؤانسات رمضانية (18) آل البربريسي يثقلون الحمل ويقللون العليق

25 يونيو 2017
+ الخط -
أراد أبو النور في هذه السهرة الرمضانية أن يخرج عن نطاق الحكايات التي توجع الرأس، ويحكي لنا حكاية للفرفشة، فقلنا له: هذا شيء جميل.

فما كان منه إلا أن بدأ بروايتها، ثم توقف واستدرك وقال:
- قصدي، هي حكاية توجع الرأس، ولكن (مو كتير).
وضحك، ثم قال: هي الحكايات التي توجع الرأس بطبيعتها مضحكة.
قلنا له: طالما أنك تورطت فأكمل.
قال: كان لي صديق يدعى أبو زكوان، موظف ويعيش على راتبه، ولا يسمح لنفسه أن يقع تحت عجز أو مديونية، ولذلك كان يفصل راتبه الصغير على قد الشهر الطويل. وهو، بصراحة، لم يكن بخيلاً، إلا أنه كان يحسب الأمور المعاشية بدقة وكأنه شايلوك اليهودي في مسرحية تاجر البندقية لشكسبير، أو في مسرحية البخيل لموليير. ومع قلة المرات التي يدعو فيها أحداً لزيارته، فقد وجه إلي دعوة لأن نذهب أنا وزوجتي للسهر عنده، فلبينا الدعوة.
وبعد مراسم الاستقبال والترحاب وفتح الحديث عن الطقس، والتي واللتيا، قالت زوجته لزوجتي: اليوم صنعت قطرميزاً من المكدوس.

فتدخل أبو زكوان على الفور قائلاً: المكدوسة الواحدة كلفتنا ليرتين وثلاثين قرشاً!
ضحكت وقلت له: يا أبو الزيك أنت الآن لخبطت معلوماتي عنك، فأنا أعرف أنك (حيسوب) ولكن، إلى هذه الدرجة؟
قال: صدق أو لا تصدق يا أخي أبو النور، نحن نفطر صباح كل يوم جمعة (فتة بالحمص) أشتريها من دكان السيد أبو عبدو الفوال تحديداً، وأنا أعرف بالضبط كم تكلف الملعقة الواحدة التي يأكلها الكبير، أقصد أنا وزوجتي، وأعرف تماماً كم تكلف الملعقة الصغيرة التي يأكلها كل واحد من الأولاد!
وقال لزوجتي: هل تحبين أن أحسبها لك أختي أم النور؟
فقالت زوجتي مرعوبة: لا أخي لا، دخيلك، نحن من دون هذه الحسابات روحنا طالعة، فكيف بها؟
قلت: اسمح لي يا أبا زكوان أن أتوقف عند شرائك فتة الحمص من دكان أبو عبدو الفوال تحديداً، لماذا؟
قال: يا أبو النور، كان يعيش في بلدة (صاد) رجل وامرأة، ظريفان، وخيالهما واسع. فتراهما دائماً يتخيلان نفسيهما على غير الصورة التي هما عليها في الواقع. وذات مرة كانا يتمشيان في أحد الأزقة، فشاهدا رجلاً يسحب حماراً، وكان يبدو على الحمار أنه متعب، فلا يمشي إلا بصعوبة، على الرغم من أنه لم يكن محملاً. قال الرجل لزوجته فجأة:

- لو أراد الله سبحانه وتعالى أن يمسخني حماراً كهذا، أفلا يستطيع؟
قالت: بلى.
قال: ولو مسخني الله حماراً وأنت ماشية بجواري فسأصبح أنا تلقائياً ملكك. صح.
قالت: طبعاً.
قال: أوصيك، إذا أنا انقلبت حماراً، واضطررت إلى بيعي، ألا تبيعيني لأحد من عائلة (البربريسي)!
قالت: لماذا؟
قال لأن أفراد عائلة البربريسي لديهم عادة سيئة وهي أنهم يثقلون على الحمار بالحمولة، ويقللون له (العليق)!
ضحكت وقلت له: وشو علاقة أبو عبدو الفوال بهاي القصة؟
قال: أبو عبدو لديه عادة جيدة جداً وهي أنه يكثر لي من الفتة، ويرخص لي بالسعر!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يعود تاريخ هذه الحكايات إلى ما قبل ربع قرن من الزمان)
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...