الأسد وحكم البقر

الأسد وحكم البقر

08 مايو 2017
+ الخط -
يحكى أن سفير المملكة المتحدة زار مستعمرة الهند يوماً، فرأى شاباً مثقفاً يستخف بعبادة البقرة، بل ويركلها برجله، وهو يلقي خطاباً لتحرير العقول لجمهرة حوله، فنزل السفير من سيارته، ودفع الرجل وبدأ يمسح على جسد البقرة ويتبارك بها، وانتظرها حتى بالت، والجموع حوله، فغسل يديه ووجهه ببولها ومسح رأسه وثيابه، ومن ثم سجد لها طالباً المسامحة والغفران.

الهنود المتجمهرون سجدوا بدورهم لربهم البقرة، بعد أن رأوا الغريب المسيحي الذي يؤمن برب واحد يسجد، وتعالت الأصوات طالبة السماح من البقرة، على ما ارتكبه "الكافر المثقف". 

ولما صعد السفير إلى سيارته سأله السائق البريطاني مستغرباً، لماذا اغتسلت ببول البقرة وسجدت لها، رغم أنك لا تؤمن بهذا المعتقد، فرد السفير: "لو سمحنا بتحرر العقول وركل تلك المعتقدات، لتقدمت الهند وتحررت من الجهل والخرافة، وحينها سنخسر وجودنا ومصالحنا"، وأضاف: "دورنا ألا نسمح أبداً بركل تلك المعتقدات، لأنها جيوشنا في تسخير المجتمعات".

قصارى القول، اغتسل بشار الأسد، ومنذ يوم الثورة الأول، ببول البقرة، وربما لم ينس السوريون بعد، أول مرسوم إعفاء، لـ"المؤمن" الأسد، أخرج خلاله السجناء المتهمين بالإرهاب أو المنتمين لتنظيمات تكفيرية أو الذين شاركوا في الحرب ضد الاحتلال الأميركي بالعراق، ليعتقل في الآن نفسه النشطاء المدنيين والمثقفين، أو يقتل من يراه يركل البقرة، ولعل في قتل غياث مطر ومشعل تمو أو اعتقال فائق المير وخليل معتوق وسواهم الآلاف، واستخدام المفتي أحمد حسون، ليسبح وبشكل مستمر بمسابح بول البقر، هدفاً مزدوجاً، يركل بحده الأول البقر وبحده الثاني يسبح بحمدها ويسجد لها.

وليغتسل الأسد الوريث ببول البقرة ثانيةً، وإن كانت بقرة لا تشبه الأولى واقتضت الضرورة الاستحمام ببولها، خلال تآخيه مع إخوة المنهج في طهران، بعد أن ورّط الثورة والثوار بما اتفق على توصيفه بالإرهاب، ليقول للعالم إن ما يحدث في سورية لا يمت للثورة والحرية بصلة، بل هي حروب طائفية هدفها سحب البلاد إلى ما قبل التاريخ، عبر فكر إقصائي لا يؤمن سوى بسفك الدم وسيلة، آخذاً من تنظيم "داعش" وبعد حملات إعلامية، محلية ودولية، مثالاً مشوهاً عن ثورة السوريين وحلمهم.

يمكن القول ربما، من منطق علوم السياسة وطرائق تعاطيها، إن كل ما فعله بشار الأسد كان مشروعاً ومفيداً وانعكس عليه بالنفع والديمومة، حتى الآن على الأقل. لطالما اعتبر منذ أطفال درعا أن الشعب عدوه، وهو يخوض معركة يحق له لأجل البقاء استخدام كل الأسلحة فيها، وبالمنطق نفسه يمكن القول، إن كل من مسح البقرة وطلب مسامحتها، إنما ساهم، بدراية أو بغباء، ببقاء الأسد إن لم نقل نصره على شعب حاول منذ البداية وبكل ساحات التظاهر، ركل المعتقدات البقرية التي كرسها الأسد الأب ومشى على هديها الوريث ضمن وصايا، كشفت الأيام والأحداث، أن جلها من الخارج.

نهاية القول: اليوم، ورغم كل ما آلت إليه حال الثورة، من تشرذم وخسائر وضياع، بل وحتى احتلال رسمي روسي أقره مجلس الدوما وإيراني شرعنته الاتفاقات، ومن ثم عزّزه "مشروع أستانة" المناطق الأربع أخيراً، نرى ممن يحسب على الثورة، يطلب الغفران من البقرة، بل ويسفك الدم تقرباً منها، ولعل في ما يحصل من احتراب بشمال سورية وغوطتها، استغله الأسد لاسترجاع قرى بريف حماة الشمالي، وسيستغله أكثر على الصعيدين السياسي والميداني، تدلل على أن لا حاجة لينزل أحد من السيارة ويسجد للبقرة، بعد أن غدا الاغتسال ببولها طقساً وهدفاً يدفع كل من "يركل" حياته ثمناً.

الوجع بسورية لا يتأتى من خسائر الجغرافيا وحتى محاولات إعادة إنتاج الأسد الوريث، بل من الخيبة في عدم الوصول لقناعة لركل كل الشوائب التي ألصقت بالدين الإسلامي الحنيف، دين التسامح والعلم، والانطلاق من أن ثورة السوريين لم تقم لأسباب روحية، بل اجتماعية وسياسية واقتصادية، وما توجيهها نحو فخ التطرف، إلا لاستقطاب بقر العالم ليسجدوا للبقر ويبقوا على حكم البقر ويبددوا حلم البشر.