حشاش بالصدفة


حشاش بالصدفة

25 مارس 2017
+ الخط -
بقي محمد علي فريكة موقوفاً في النظارة لمدة أربع وعشرين ساعة، وفي هذه الآونة تأكد لأولي الشأن أن الشخص المطلوب لهم الذي يحمل الاسم نفسه هو صيدلاني، بينما هذا شخص بسيط لا يعرف من عناصر الصيدلة غير أقراص "الساريدون" وذرور "السبيداج"، وهو شبه أمي، وليس في شخصيته من المزايا والعلامات الفارقة غير تلك الطريقة العجيبة في الكلام التي تجبر الشخص المستمع إليه على الضحك مهما كانت الظروف.   

قال له أحد الموقوفين، وكان يدعى أبا حمدو: 

- ما رأيك بسيجارة حمراء طويلة؟

قال محمد علي بحماس: 

- يا عيني عليك! بشرفي عز الطلب! 

وبعد أن أشعل محمّد علي السيجارة، وشرعَ ينفثُ دخّانها الكثيف من فمه وأنفه في آن واحد، قال مخاطباً الموقوفين الذين تركّزت أبصارهم كلها عليه:

- الحمراء الطويلة يا شباب طيبة. وهي اسم على مسمى. تستمر طويلاً قبل أن تنفد. أنا ذات مرة أشعلت سيجارة حمراء طويلة في إدلب، وحينما وصلت إلى "دير عطية" رميت عقبها من شباك السيارة.

ضحك الحاضرون لهذه المبالغة الطريفة، فبين إدلب ودير عطية حوالي ثلاث ساعات. وأما محمد علي، فقد أحس بنشوة غريبة، بسبب كون السيجارة محشوة بالحشيش وهو لا يدري، فتابع يقول ممعناً في التنكيت:  

- وحينما رميت السيجارة من الشباك في النبك كانت ما تزال في منتصفها!

ضحك الموقوفون أكثر، وقال أبو حمدو:

- واضح أنك رجال معدل يا محمد علي، وأنا أخمن أن إقامتك هنا ليست طويلة. 

قال محمد علي: ربنا يسمع منك يا أبو حمدو.

قال أبو حمدو: طيب إذا خرجت من هنا غداً، إلى أين ستتجه؟

قال محمد علي: ذاهب إلى الشام.

قال أبو حمدو: وإذا أرسلت معك أمانة إلى الشام هل توصلها؟    

وافق محمد علي، فوراً، على حمل الأمانة إلى صديق أبي حمدو الذي يبيع صندويش فلافل وعجة وبيض مسلوق على عربة متنقلة في إحدى حواري الشام، ويقال له أبو أيوب. والأمانة كانت عبارة عن علبة سجائر حمراء طويلة مختومة، وهذا ما أثار استغراب محمد علي، وحينما روى لي القصة من بعد قال لي:

- أنا أعرف أن الصديق يرسل لصديقه هدية نادرة لا يوجد مثلها في مكان إقامته، لكنني بحياتي لم أسمع بشخص يرسل إلى صديقه علبة حمراء طويلة، فلو شاء أبو أيوب فإنه يستطيع أن يشتري العشرات بل المئات من علب الحمراء الطويلة من أقرب دكان أو سوبر ماركت في الحارة التي يقف بها في الشام. ولكن كان علي أن ألبي رغبة الشخص الذي أعزني وأكرمني وضيفني عدة سجائر دخنتها ونمت على أرض النظارة دون أن أفكر بشيء. 

وتابع يقول: المهم، لقد أخلي سبيلي في اليوم التالي فعلاً، واستلمت سيارتي من كراج الحجز، وانطلقت نحو الشام. وبمجرد ما وصلتها ذهبت إلى بياع الصندويش أبي أيوب. وبعد السلام والتحية سلمته الأمانة، فترك الزبائن المتجمعين حول العربة المخصصة لبيع السندويش، واصطحبني جانباً وشرع يفتح العلبة المختومة بسرعة ولهوجة، وأخرج سيجارتين على الفور، وضع إحداهما في فمه وأشعلها، وناولني واحدة وأشعلها لي بقداحته. أسندت ظهري إلى "درابزين" الحديقة العامة التي كان أبو أيوب يقف بجوارها وشرعت أدخن. وعلى الفور شرع رأسي يكبر مثل العجلة الداخلية للسيارة حينما ينفخونه على الكهرباء، وأخذت عيناي تشردان وتسرحان في المكان. انتابني نفس الشعور الذي انتابني حينما ضيفني أبو حمدو سيجارة الحمراء الطويلة في النظارة.

قال أبو أيوب بحنك رخو:

- يا سلام! بشرفي إن "أبو حمدو" ابن حلال، وأنت مثله، ابن حلال صرف. خذ، دخن سيجارة ثانية حتى أرجع إليك.

وذهب أبو أيوب باتجاه عربته التي كان الزبائن ملتفين حولها. هذا ما كنت أراه، وأتبينه، من خلال وقوفي مسنداً ظهري إلى درابزين الحديقة وأنا أدخن السيجارة الثانية. بعد قليل سمعت أصواتاً لا شك أنها قادمة من مكان بعيد، أو ربما مكان قريب، لا أدري، وشاهدت أيدي الزبائن ترتفع في الهواء وتهوي على رأس أبي أيوب. أجل، كان الزبائن يضربونه ضرباً مبرحاً، وشاهدته يسقط على الأرض. وبعد قليل تركوه وغادروا المكان. 

هل تعرف ماذا حصل؟ تبين أن أبا أيوب، بعد تدخين سيجارتين من الأمانة التي أحضرتها إليه صار يلف صندويش البيض المسلوق للزبائن، بقشره!!!  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سيرة مسلسلة- يتبع

دلالات

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...