العصر الذهبي للحمار السوري

العصر الذهبي للحمار السوري

12 ديسمبر 2017
+ الخط -
حكاية يرويها حمار سوري:
عَرَضَ عليَّ ابنُ جلدتي "الحمار الأخضر" فكرةَ الهرب إلى إحدى دول الجوار، وحدد "تركيا"، لأنها أقرب علينا. قال لي:
- ندخل من "خربة الجوز"، أو من "الحامضة"، أو من "إطمة"، أو من طرف "حارم"..
وحينما لاحظ أنني رفعت رأسي إلى الأعلى خشي من أن أنهق بالرفض، فشرع ينهق موضحاً:

- الله وكيلك يا أخي، مللنا من أصوات القصف، وأزيز رصاص الروسية، والأربعة عشر ونصف، والدوشكا.. أبنائي الجحاش، الله يخلِّي لك جحاشك، صارت لديهم عقدة نفسية.. و(رِهَاب الروسية)! ابني، الجحش الوسطاني، بَرَك يحكي معي بلغة العقل، فقال لي: يا بابا الله يمد في عمرك، ويحط في حافرك كل أنواع الرزق! صحيح أن قصف النظام والروس لمنطقتنا تراجع بعد اتفاق (أستانا)، إلا أن الخطر ما يزال قائماً، لأن الفصائل العسكرية، بعد خفض التوتر تفرغت للاقتتال فيما بينها، وفي أوقات الفراغ يلاحقنا جماعة "الحسبة" وأهل "الأمر بالمعروف" على الدعسة. مع أن الحمير في الأساس أناسٌ منضبطون لا يحتاجون لأمر أو نهي أو حسبة.


عندما يشتد القصف المتبادل بين الفصائل، أو يمر الطيران الحربي نذهب إلى المغارة، ونختبئ تحتها، ولكن من يضمن لنا ألا نموت بشي صاروخ سكود؟ أو نفطس بالكيماوي بينما نحن مستمتعون بقرض الحشيش والبرسيم من على بيدر الضيعة؟!..

حاولت ألا أكون تَنِحَاً مع صديقي الحمار الأخضر، فقد لاحظتُ كم هو عميقٌ الحزنُ المتوغل في عينيه، وكم هو متحمس للهرب. قلت له:
- ولكن الحياة في تركيا، يا صديقي، صعبة. صحيح أن الماء والكهرباء والإنترنت والمواد الغذائية متوفرة هناك، ولكن ثمنها مرتفع، والليرة التركية تعادل مئة ليرة سورية، ولا تنسَ أننا عشنا ثلاثين سنة تحت حكم حافظ الأسد المتقشف، ولما خلصنا منه، وظننَّا أننا سوف (نتبحبح)، طلع لنا ابن حافظ وشريكه رامي مخلوف اللذان جعلانا نَبْرُك على الأرض يا حَكَم!
قاطعني صديقي الحمار الأخضر، وقال لي:
- الآن أنا زعلت منك.
قلت له: ليش؟

زفر زفرة طويلة، كادت تتحول إلى نهيق حزين، وقال:
- زعلت منك لأنك حكيت كلاماً أعوج على عهد معلمنا القائد الخالد حافظ الأسد! يا جحش، يا حمار.. أيش أحكي معك؟.. فترة حافظ الأسد كانت هي الفترة الذهبية بالنسبة إلينا نحن الحمير!.. هل بإمكانك أن تسألني عن السبب؟!

قلت: أسألك.. ويا حبذا لو تتكلم بصوت منخفض، لئلا يسمعنا أحدٌ من المعارضين والفصائل..
قال: إذا سمعوا. أيش يعني؟
قلت: بسلامة جحشنتك.. إذا سمعونا نمدح فترة حافظ الأسد يختطفوننا ولا يوجد أحد يطالب بنا. يعني أنا وأنت، بوقتها، ممكن أن نُذبح ذبح النعاج، ونذهب مثلما يذهب الوسخ في نهر العاصي.. تفضل أكمل.
قال: طيب. سأخفض صوتي. يا أخي، حافظ الأسد، بمجرد ما استولى على الحكم في سنة 1970، بدأت ميوله الإيجابية نحونا نحن الحمير تظهر للعيان.. وكل واحد في سوريا، يمتلك شجاعة كشجاعة الأسود والسباع، ورشاقة واندفاعاً كالنمور، أو أنياباً قوية كالضباع، أو مكراً ودهاءً كالثعالب، أو حقداً كحقد الجِمال، أو حكمة كحكمة الثور الأبيض، أو صوتاً قوياً كصوت الحصان، أو صوتاً منرفزاً كصوت الجقل، أوقعه أرضاً، وقضى عليه وعلى سلالته. ثلاثة أنواع من الكائنات (فقط) هي التي نجت من غضب القائد الأسد وبطشه.
قلت: من تقصد؟
قال: نحن والغنم والدجاج. نحن سَلَّمَنا، رحمة الله عليه، المفاصلَ الرئيسية في الدولة! والدواجن فتح لهم (جبهة وطنية تقدمية).. والغنم تركهم بحالهم من حيث الظاهر، ولكنه كان يذبح بعضهم، بين الحين والآخر، على السكيت، ولا من أحس ولا من دري..
وأضاف: ولذلك اسمع مني وتعال نهاجر معاً.

أثر بي كلامه كثيراً.. وكنت على وشك أن أسايره في فكرة الهرب. ولكنني قلت لنفسي:
- فكر بعقلك يا ولد ولا تجحش. بكرا إذا بتسافر، بيصير تصنيفك (معارضة خارجية)! ويتهمونك بأنك تقبض بالدولار. يا حبيبي. أي شو أنا ناقصني مسبات؟!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...