هل أخطأ مصطفى البرغوثي؟

هل أخطأ مصطفى البرغوثي؟

10 يناير 2024
+ الخط -

انتشر في الآونة الأخيرة مقطع فيديو لمقابلة أمين عام المبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي مع المذيعة البريطانية، جوليا هارتلي بروير، على قناة "توك تي في"، ليثير جدلاً واسعاً حول المنظومة الإعلامية الغربية، والإعلاميين الداعمين للرواية الصهيونية.

 ربّما لم يكن غريباً، أن عبرت هارتلي بروير عن فرحها باغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري، بالقول "حسناً فعلت إسرائيل" قبل الترحيب بضيفها، ومبتدئة السؤال الأوّل بالتالي: "إنه أمر جيد عندما يتم اغتيال قادة من الإرهابيين، أليس كذلك؟". 

كان الرد الطبيعي كما نعرف البرغوثي، أنّ يقول "لا ليس العاروي إرهابياً، وفاجأني أنك تشجعين اغتيال شخصيات سياسية، وتشجعين على خرق القانون الدولي عبر انتهاك سيادة لبنان".

لم تجد المذيعة المنحازة جواباً، إلا أن تطرح سؤالاً من المفترض بنا جميعاً كعرب ومسلمين وفلسطينيين أن نجيب عنه "كمذنبين" بحق "المستوطنين" الذين قُتلوا على يد المقاومة: هل تدين ما قامت به حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول؟

المعركة الإعلامية التي تخوضها الشخصيات الوطنية الفلسطينية كالبرغوثي، وبقية الناشطين، لا تقلّ ضراوة عن المعركة التي يخوضها المقاومون في غزة

وبما أنّ البرغوثي لا تنقصه الحنكة، ولا الخبرة في التاريخ، ولا التعامل مع الإعلام الغربي، كان الجواب: "هل تدينين طرد 70% من الفلسطينيين وتدمير 500 قرية فلسطينية؟" طبعاً لم تلبِّ طلبه، ولم ترق بقية إجابات البرغوثي لتلك المذيعة التي فقدت السيطرة على أعصابها، وبدأت بالصراخ، لتطلب منه لاحقاً السكوت، ولتتفوّه بما يدينها، حين قالت لشخصية أبعد ما تكون عن "الذكورية": "ربما لم تعتد على سماع امرأة تتكلم".

ما حصل في تلك المقابلة لم يكشف جديداً من انحياز الإعلام الغربي تاريخياً للرواية الإسرائيلية، وفرضها بقوة كيّ الوعي المزيّف، ووضع الفلسطينيين والعرب والمسلمين في خانة "المعتدي" و"الإرهابي"، و"المذنب"، بل أيضاً فيه اعتداء واضح على ثقافتنا، واتهامنا بالتعصّب ضد المرأة.

هل من الأفضل مقاطعة المحطات الغربية؟

بعد الانتشار الكبير لتلك المقابلة، في أنحاء العالم، وتسليط الضوء عليها إعلامياً على المستوى العربي والغربي، والتي انقلبت كلياً لصالح الرواية الفلسطينية ومظلوميتها، عبر فضح الأداء المنحاز لتلك المذيعة، ومحاولة مصادرة رأي البرغوثي، والتي أظهرت بشكل لا ريب فيه ومكشوف، نموذجاً من أداء الإعلاميين الغربيين ومقدّمي البرامج بعدم تقبلهم للرأي الآخر الداعم للحق الفلسطيني، ما لم يقم بإدانة المقاومة الفلسطينية حتى النخاع، من غير سماع رأيه.

من المفترض بالضيف في الإعلام الغربي، أيّاً كان، أن يجيب عن سؤال واحد، وواحد فقط: هل تدين ما قامت به "حماس"؟ ومهما حاول العودة إلى الوراء لشرح لماذا وصلنا إلى السابع من أكتوبر في عملية طوفان الأقصى، فجوابه مرفوض، ولا يشفي غليل هؤلاء المنحازين، بل يجب أن تكون الإجابة محصورة بـ"نعم" و"نعم" فقط.

كان من الملاحظ من حجم التعليقات على الفيديو الذي انتشر عربياً وغربياً، وما نشر من آراء على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي انتقدت صلف هذه المذيعة ووقاحتها وانحيازها، أنّها أسدت لروايتنا الفلسطينية خدمة كبيرة، عبر طرح تساؤل: لماذا هذا الانزعاج الكبير من الحديث الذي يعود إلى تاريخ تأسيس الكيان الإسرائيلي، وما قام به من مجازر بحق الفلسطينيين، ومن يتحمل فشل أوسلو، بغضّ النظر عن رأينا به.

هدم الرواية الصهيونية في الغرب لصالح الرواية الفلسطينية يصب بالتأكيد في صالح تقصير عمر الاحتلال

ما حصل برأيي سيفتح الباب واسعاً للنقاش، ليس فقط عن نزاهة الإعلام الغربي وموضوعيته، وتحكّم اللوبي الصهيوني بكبرى وسائل الإعلام في الغرب، بل ستجري معركة حول "استغباء" الشارع الغربي، وتحديداً  الأميركي، وسوقه تاريخياً إلى الرواية الرسمية الداعمة للكيان الإسرائيلي، وهذا ملاحظ مؤخراً من حجم الفيديوهات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي من أناس عاديين في الشارع الغربي، بدؤوا بطرح السؤال التالي: هل كنّا مخدوعين ومسيطر علينا؟ بل وصل الأمر للتساؤل: هل نحن فعلاً أحرار؟ في ظلّ الإدانات والملاحقات التي طالت بعض الناشطين، والمسيرات الشعبية المعترضة على الدعم الرسمي الغربي لارتكاب مجازر إسرائيلية ضد المدنيين في غزّة.

إنّ المعركة الإعلامية التي تخوضها الشخصيات الوطنية الفلسطينية كالبرغوثي، وبقية الناشطين في الغرب من مختلف الجاليات العربية، والمؤيدين للحق الفلسطيني في الغرب، لا تقلّ ضراوة عن المعركة التي يخوضها المقاومون في غزّة، فلولا المدد الغربي والأميركي تحديداً بمختلف أشكال الدعم، لما صمد هذا الكيان، وهو المؤسّس له، وبالتالي فإنّ هدم الرواية الصهيونية في الغرب لصالح الرواية الفلسطينية يصب بالتأكيد في صالح تقصير عمر الاحتلال.

هل أخطأ مصطفى البرغوثي بإجراء تلك المقابلة؟

عندما سئل البرغوثي: ماذا لو طلب منك مجدّداً إجراء مقابلة مع المذيعة نفسها، كان الجواب "نعم، أنا أخاطب الجمهور الغربي، وهذا عمل مقاوم".

لقد أخذ حدث مقابلة البرغوثي حيّزاً من النقاش في الصحافة الغربية، فمن بين المقالات التي علّقت على هذا الحدث، مقال للكاتب البريطاني بيتر أوبورن، وهو زميل سابق لهارتلي بروير، نشر على "موقع ميدل إيست آي" مؤخراً، تحت عنوان "الحرب على غزة: الأصوات التي تهم حقاً هم الصحافيون الموجودون على الأرض"، سلط فيه الضوء على المجهودات الكبيرة التي يقوم بها الصحافيون الفلسطينيون في غزّة، بالقول: "علينا ألّا نهتم كثيراً بأمثالها (المذيعة البريطانية جوليا هارتلي بروير) من الصحافيين، ونعطي اهتماماً أكبر لأولئك الصحافيين الشجعان... الذين لا يمكن أن تقارن بهم، ويجازفون بحياتهم في كلّ دقيقة من اليوم لإخبار العالم بحقيقة ما يجري في غزّة، ولربما يهم هارتلي بروير أن تعرف أن كثيراً من هؤلاء الصحافيين هم من النساء".

يكفي هذا للقول إنّ البرغوثي، بأخلاقه الدمثة، وسيطرته على أعصابه رغم التعامل معه بصلف ووقاحة، فضح ممارسات وتحيّز وتزييف الحقائق الذي يمارسه الإعلام الغربي المنحاز، وأعاد تصويب النقاش إلى البداية: لماذا كان السابع من أكتوبر؟