مَن مِن العرب يخشى انتصار المقاومة؟

مَن مِن العرب يخشى انتصار المقاومة؟

26 مارس 2024
+ الخط -

بعد دخولنا في الشهر السادس على التوالي، من العدوان المتواصل على غزّة، وقد تخطّى عدد الشهداء أكثر من واحد وثلاثين ألفاً، والجرحى اثنان وسبعين ألفاً وما يزيد (حتى كتابة هذه السطور)، أمام مرأى ومسمع من العالم العربي والغربي، يحق للإنسان أن يشك إن كان ما نعيشه حقيقةً، أم وهماً، ويحق له أن يتساءل: هل يعقل أن يُذبح آلاف الناس في القرن الحادي والعشرين، جلّهم من النساء والأطفال، في حرب لم تبق ولا تذر، ولدينا قانون دولي وإنساني، ومحكمة عدل دولية، وأمم متحدة، وهيئات حقوق إنسان، وإعلام وصحافة ووسائل تواصل اجتماعي؟

لقد شهدت غزّة حروباً مع بداية الألفية الثالثة، ابتداء من العام 2008، وصولاً إلى معركة طوفان الأقصى، وسقط آلاف الشهداء والجرحى، ودمرت أجزاء كبيرة من قطاع غزّة، كان أعنفها حرب العام 2014، لكن ما نشهده حالياً، في هذا العدوان، فاق كلّ التوقعات.

لقد اختصر مركز "بيغن السادات" الإسرائيلي، المشهد، إذ وضع في مقدّمة أي مقالة أو دراسة تنشر على موقعه الكلمات التالية لرئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي الأسبق، موشيه دايان، في محاضرة ألقاها في عام 1955، أمام ضباط جيشه: "لا يمكننا دائماً منع قتل العمال في بستان أو عائلات نائمة، لكن يمكننا تحديد ثمن باهظ لدمائنا. ثمن باهظ جداً على التسوية العربية والجيش العربي والحكومة العربية دفعه. ... [العمليات الانتقامية] ليست للانتقام. إنه عمل عقاب وتحذير، إذا لم تسيطر تلك الدولة على سكانها ولم تمنعهم من مهاجمتنا، فإن القوات الإسرائيلية ستسبب الخراب في أرضها".

هل يعقل أن يُذبح آلاف الناس في القرن الحادي والعشرين، جلّهم من النساء والأطفال، في حرب مجنونة، ولدينا قانون دولي وإنساني، ومحكمة عدل دولية، وأمم متحدة..؟

إنّ ما يجري في قطاع غزّة من تدمير مُمنهج، ومجازر متتالية، هو تعبير حقيقي عن حالة انتقام أسود يرتكبه الاحتلال ردّاً على فشله الذريع والمخزي، أمام إنجاز المقاومة العظيم في السابع من أكتوبر، عبر سفك دماء السكان المدنيين، هادفاً من ذلك تحقيق كي الوعي عبر تدفيع الحاضنة الشعبية للمقاومة أثماناً لا تُحتمل، كذلك هي رسالة مباشرة لدول الجوار، أنّ مصيرها سيكون كمصير غزّة في حال دخلت المعركة.

لكن في المقابل: ماذا عن العرب؟ اجتمعوا، ندّدوا، طالبوا، حمّلوا المسؤولية لما يُسمّى زوراً وبهتاناً المجتمع الدولي الأعمى، والمحصلة أنّه يَصدُق فيهم من جديد قول الكاتب عبد الله القصيمي إنّ "العرب ظاهرة صوتية" لا غير.

هل تغيّرت أحوالهم عن الزمن الذي مضى، زمن موشي دايان، وهم الذين مُنوا بهزائم  قياسية، كما تقول شخصية "كرامة" ابنة "هاجر" في رواية، ثائرة عقرباوي، التي هاجرت من فلسطين عام 1948 إلى الكويت، ممتعضة من سماع زوجها (المناضل السابق) للراديو باستمرار "أمي...دوماً كانت تذكرني بإعاقتين: العرب الذين أدمنوا الخيبات والهزائم، وعين موشي دايان المعطوبة التي استطاعت أن تفعل المعجزات حتى أسهمت في منح العرب فرصة تحطيم رقم قياسي في شيء واحد: الهزائم... يا زلمة صرعتنا في هالراديو موشي دايان قش البلد بعين واحدة".

يتساءل الزوج:

-يعني لو عينه الثانية مفتحة شو كان عمل؟

-والله حتى لو خلق بلا عينين يمكنه قش الوطن العربي عن بكرة أبيه، لن يكون أعمى مثل العرب، لا تنتظر منهم شيئاً.. الأعور على العميان باشا.

هل ابتُلي العرب بالعمى، أم بالصمت، أم بالعجز، أم وجد بعضهم أنّ مصلحته تكمن في أن لا تقوم للمقاومة قائمة في غزّة؟

هل ابتُلي العرب بالعمى، أم بالصمت، أم بالعجز، أم وجد بعضهم أنّ مصلحته تكمن في أن لا تقوم للمقاومة قائمة في غزّة؟

هل تلاقت مصلحة الاحتلال الإسرائيلي مع بعض العرب، وأين؟ هل انتصار المقاومة في غزّة هو انتصار للإخوان المسلمين؟ هل هناك تخوّف من عودة فلسطين كإحدى العناوين الأساسية لعودة الجموع الهادرة إلى الشارع العربي، في ظلّ تخاذل الأنظمة وإمكانية أن تسجّل المقاومة انتصاراً على أعتى استعمار رغم الويلات؟

ربّما لا يجب أن نذهب بعيداً، فقد تكمن الإجابة في مجريات الربيع العربي، حيث كانت فلسطين أحد العناوين الهامة التي خرجت بها جموع الشوارع العربية عام 2011، ما صدم الأنظمة العربية إلى جانب كيان الاحتلال الإسرائيلي. ونذكر هنا، في هذا السياق، تخوّف الاحتلال من صعود الإخوان، وهو ما عبّر عنه صراحة وزير الدفاع السابق، موشيه يعلون في عام 2014، وذلك في خطاب له أمام معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في تل أبيب، معتبراً أنّ سقوط الإخوان المسلمين في مصر أوقف مدّهم الذي ابتدأ مع الثورة الإسلامية في إيران، ووصل ذروته بفوزهم في مصر، كما اعتبر أنّ مشاعر الارتياح في عواصم عربية (سنية) لم تكن مصادفة، مضيفاً أنّ أحداث الربيع العربي أفرزت محورين، الأول: المحور الإيراني (الشيعي)، والثاني: المحور السني العربي الذي يرى في الإخوان المسلمين تهديدًا له.

ومن هنا، ربّما نفهم ما صرح به نتنياهو عام 2019، في مؤتمر صحافي "أن الدول العربية لم تعد تتعامل مع إسرائيل كأنها عدو، بل حليف ضروري في مكافحة التنظيمات المتطرفة". وفي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي بعد عملية "طوفان الأقصى" وجّه نتنياهو كلامه إلى العرب جميعاً بعد اجتماعهم في القمّة الإسلامية في الرياض "على الزعماء العرب الوقوف ضد حماس". فهل أتى هذا الكلام من فراغ، وهل يعلم ماذا يقول؟ وهل نحن أمام مصيبتين، مصيبة الصمت، ومصيبة التآمر؟ وهل على الشعب الفلسطيني أن يدفع ثمن هذه الهواجس ويقبل باحتلال لا يعترف بإنسانيته، ويريد إلغاءه، قتلاً وتهجيراً؟

ما قبل شعب على وجه الدنيا باحتلال، فلماذا على الفلسطيني قبوله إذن؟