عن الكوميديا التلفزيونية السورية

عن الكوميديا التلفزيونية السورية

02 يونيو 2018
+ الخط -

(رمضان 2005- إحدى الليالي).

جرى الحديث في هذه السهرة الرمضانية عن الدراما. وبما أنني ذو تجربة طويلة نسبياً في مجال الكتابة التلفزيونية، فقد حكيت عن المسار البطيء الذي سارت عليه الدراما السورية منذ تأسيس التلفزيون السوري في سنة 1960 وحتى سنة 1990 حيث بدأ تطورها يشهد قفزات نوعية، بل وبهلوانية في بعض الأحيان. إذ تحولت من إنتاج ثقافي فني ترفيهي إلى تجارة رُصِدَتْ لأجلها مبالغ طائلة، وأصبح لها سوق بيع وشراء وتصدير وعمولات وسمسرة.

قاطعني أبو البهاء قائلاً: يا أستاذ، نحن جماعة لا نفهم بالإنتاج والقفزات النوعية وأسواق البيع والشراء والسمسرة، خلينا نحكي عن شي محدد. 

قلت: أنا كما تعلمون لا أحاول فرض رأيي بخصوص اختيار حديث للسهرة. ولكنني أرى أن الحديث عن الدراما ممتع. والقرار لكم.

قال أبو البهاء: أنت قلت لنا، في سهرة سابقة، إن التلفزيون بدأ نشاطه بإنتاج أعمال كوميدية قصيرة كان دريد لحام يقلد فيها شخصية الفنان البرازيلي كارلوس ثم اشتغل نهاد قلعي ودريد لحام على شخصيتي الفرنسيين لوريل وهاردي، فكانت شخصيتا غوار الطوشة وحسني البوراظان بوصفها نسخة سورية من لوريل وهاردي. صح؟

قلت: صح. ولكن التلفزيون آنذاك أنتج أعمالاً درامية غير كوميدية، على شكل أفلام سهرة بعضها مأخوذ عن قصص عالمية، والآخر عن قصص محلية، وأحياناً تكون ضمن مسلسلات قصيرة، ثلاثية أو رباعية أو سباعية.

قال أبو البهاء: دعنا إذن نضيق دائرة الحديث، فنحكي عن الكوميديا، ونؤجل الحديث عن الدراما إلى وقت آخر.

تدخل الأستاذ كمال الطبنججي قائلاً: أنا أقترح تعديل الفكرة. ونحكي عن كيفية تشكل الفريق الكوميدي الذي استمر يعمل ويتطور إلى ما بعد رحيل الفنان نهاد قلعي. 

قلت: اقتراح جميل. أنا أعتقد أن وجود المخرج خلدون المالح في تلك الفترة لعب دور الخيط الناظم لعقد الكوميديا، وإن كان معظم الذين تحدثوا عن الكوميديا لم يولوه الأهمية التي يستحقها. فخلدون المالح استطاع أن يلتقط عنصر البساطة الذي يكتب به نهاد قلعي، ويقدم الأعمال الكوميدية دون فذلكة إخراجية، وهو يعرف أن الفذلكة لا يمكن أن تجذب جمهوراً حديثَ العهد بالفرجة..

قال الخال فارس: الله محيي أصله.. يعني حاسب حساب أن الجمهور مثلنا أنا وزوجتي الحاجة عيوش، يا دوب نفهم.. 

قلت: هذا الذي صار، ثم انضمت إلى عقد الكوميديا الذي بدأ بالثلاثي (المالح- قلعي لحام)، بالتدريج، شخصياتٌ أخرى أهمها عمر حجو، ورفيق السبيعي "أبو صياح" الذي اشتهر حتى في لبنان، والرحابنة أشركوه بالأفلام التي أنتجوها، وبالأخص في فيلم سفربرلك الذي كتبه الأخوان الرحباني وأخرجه هنري بركات سنة 1967، ونجاح حفيظ بوصفها الوجه الكوميدي الأنثوي الأبرز، ولعلمكم فإن النساء الكوميديات الناجحات قليلات جداً حتى في مصر (أم الدنيا)، ثم انضم إلى هذا الفريق فنانٌ أكثر من مهم، هو ناجي جبر، وياسين بقوش الذي لا يقل عنه روعة، ثم انضم إليهم محمد الشماط ومحمد العقاد بكاراكترين ظريفين هما أبو رياح وأبو جاسم.

قال أبو علي: وعبدو؟

قلت: نعم، عبدو هو الفنان زياد مولوي الذي كان يريد أن يصنع من نفسه نجم كوميديا بمعزل عن فريق خلدون المالح، وأنتج، من حسابه الخاص، فيلما تلفزيونياً، ولكنه، وسط الجاذبية الهائلة التي كان يحققها فريق المالح، استكان للأمر الواقع، وانضم إلى فريقهم.

قال أبو علي: ولكنه كان ناجحاً ضمن الفريق؟ 

قلت: برأيي أن نهاد قلعي استطاع استثمار شخصية عبدو التي تبدو عليها ملامح السذاجة حينما وَضَعه في الحمام تحت إمرة أبي صياح الصارمة، وفي الوقت نفسه جعله ألعوبة في يد غوار الخبيث، مثلما جعل ياسين وغوار في الفندق تحت إمرة نجاح حفيظ..

قال الأستاذ كمال: إن هذا الحديث يمكن أن يوصلنا إلى فكرة أرى أنها مهمة ومنطقية.. وهي أن تطور الكوميديا الذي حصل فيما بعد، وظهور ياسر العظمة، وسلسلة بقعة ضوء التي ابتدعها الليث حجو، كانت نتيجة طبيعية للبدايات الأولى، البدايات التي اكتسبت شرف الريادة والتطوير في الوقت نفسه.

 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...