صلصة فراولة!

صلصة فراولة!

18 ابريل 2022
+ الخط -

على ذكر ذلك الذي ذهب لشراء اللحم فمناه البائع بلحم وكأنه السمن، فتركه وذهب لبائع السمن الذي مناه بسمن كأنه العسل، فذهب لبائع العسل الذي وعده بعسل صافٍ كالماء، فعاد لبيته في حيرة من أمره لتقطع زوجته المصونة "مارغريت أنطوانيت" عليه حيرته وتخبره بأن يأتيهم بالكرواسون ولا عليه..

يحكى في جديد الزمان، حيث عاش ورأى العجب العجاب بنو الإنسان، أننا أكلنا صلصة ولا المربى، بل هي حقاً مربى، حيث رأينا الطماطم في السوق أغلى من الفراولة! أو لنتأدب في المقولة ونسرد الأمر من جهة الكوب المليء، رأينا الفراولة أرخص من الطماطم!! ورأينا أن نجمع الأمر على أنه لا حاجة للطماطم فحلت محلها الفراولة في الصلصة والكاتشب والسلطات..

ويحكى في القديم أن الفقير، كان إذا فرج عن نفسه وعن عياله بشراء اللحم بالقدر الضئيل، جلب من البامية الكيلة والكيلتين فملأ بها قِدره فصارت قطع اللحم تسبح في المرق سباحة سمكة السردين في المحيط الهائج، فتملأ بطن الفقير وبطون عياله بالبامية المنكهة برائحة اللحم الضئيل السابح فيها، ثم إذا ضاق به الأمر زهد في اللحم وقنع بالحال، واكتفى بالبامية فقط في قِدره، وقد سماها بامية "قرديحي" أي بامية بدون لحم، فتُملأ بذلك البطون، وتقر العيون، وتلهج الألسنة بالشكر لربها..

خرج على الناس صنف من صنوف الأطباق الشعبية لا يقل عبثية عما هم فيه، فصرنا نأكل اللحم القرديحي أو اللحم بدون لحم مع صلصة الفراولة..

ولقد حكي من أطال الله في عمره، ومد في أجله، وأراه عجب الزمان أن البامية ذلك العنصر التكميلي صار بثمن اللحم، أو لنلتزم بالسرد من جهة الكوب المليء مرة أخرى، رأى كيلة اللحم بثمن كيلة البامية، فصار المرء -ولن أقول هنا الفقير فقد ولى زمنه وانقضت أيامه-، إذا هم بشراء البامية لتكملة قدره وجد ثمنها ولا اللحم!! فيشتري بدلاً منها اللحم فيكمل اللحم باللحم، وإذا ضاقت به الحال زهد واستغنى عن اللحم واستكفى بقدر من "اللحمة القرديحي" أي لحمة بدون لحمة!! حتى خرج على الناس صنف من صنوف الأطباق الشعبية لا يقل عبثية عما هم فيه، فصرنا نأكل اللحم القرديحي أو اللحم بدون لحم مع صلصة الفراولة..

وحتى تكتمل أركان البنية السريالة لتلك الصورة العبثية، كان لا ينقص الناس سوى أن تكون تحليتهم بعد تلك الوجبة هي لبن العصفور، لنأتي للأجيال القادمة بأساطير بلاد العجب العجاب وبكلمات الشفقة على حالهم، وعلى غرار أولئك الذين دائماً ما صدعوا رؤوسنا بحال بلادنا إبان العهد الملكي حيث الشوارع النظيفة والحلاق اليوناني، والاسكافي اليوغسلافي، فيخرج منا من يصدع رؤوسهم بكان يا ما كان: "غمسنا اللحمة باللحمة، وأكلنا صلصة الفراولة، وشربنا لبن العصفور".