سيرة العقل والجنون (27)

سيرة العقل والجنون (27)

09 يناير 2021
+ الخط -

انتقل الشاب خالد، الملقب بـ"أبو الدك"، من خانة المجانين إلى خانة العقلاء. يعود الفضل في ذلك للسيد "بكار" الذي تعرف عليه ضمن مجموعة مجانين القرية، وأسكنه في داره، واضطر لأن يتشاجر مع والده، ويضربه بالعصا، ويكسر يده، ويدفع له غرامة مئة ليرة سورية.. وعندما عرف "أبو الدك" بالأمر، غضب، وهجم على دار أهله، واسترد المئة ليرة من أبيه عنوة، وأعادها لبكار، ولكن بكار عاد لزيارة أبو خالد، وأعطاه 150 ليرة، وعرض عليه فكرة تزويج أبو الدك (خالد)، وأبو خالد وافق عندما اطمأن إلى أن بكار سيدفع تكاليف الزواج بالكامل، لم يوافق وحسب، بل وطلب من زوجته أن تزغرد، وصار يحمد الله في سره على أن ابنه جن، وطفش، وقاده حسن الحظ لمعرفة هذا الإنسان الكريم الطيب بكار.

هذا ملخص ما رواه أبو الجود في السهرة السابقة.

قالت حنان: أنا شايفة القصة صار فيها شوية مبالغة. لما بكار بده يزوج أبو الدك، ويحط عليه المبلغ الفلاني، بقية المجانين راح يطلبوا منه يزوجهم، بهالحالة من وين بده يجيب مصاري؟ بيبيع كل أراضيه وبيصرف تمنها عليهم؟ بصراحة؟ هادا جنون.

كمال: مرتي "حنان" عم تسمي الشي اللي عم يعمله بكار جنون.. طبعاً يا حبيبتي جنون، ليش هلق نحن على أيش عم نحكي؟ مو فاتحين سيرة العقل والجنون؟

كانت أم خالد بتعرف إنه زوجها ندل وانتهازي وطماع ومقصر بحق أولاده، لكن مو لهالدرجة. منشان هيك امتعضت

أبو الجود: أنا عم بحكي لكم الشي اللي صار، واللي سمعت تفاصيله من صديقي بكار، وإنتوا أحرار، بتقولوا عنه عقل، أو جنون، أو هبال، أنا ما دخلني، وبالنسبة لسؤال الست حنان عن موقف بقية المجانين من القصة، ما في مشكلة، منحكي عنهم، لكن في وقت تاني. هلق أنا عم بوصف لكم شعور أبو خالد بعدما حط الـ 150 ليرة في جيبه، وعرف إنه بكار راح يزوج ابنه خالد، قال لمرته (زلغطي)، وحط إيده ع بريمه (عقاله) وصار يتحسسه بلطف، وكأنه عم يقول له (الفضل إلك يا بريمي، لولا إني بضرب ولادي فيك، ولولا إن إبني خالد جن وطفش، من وين كان بيجيني كل هالعز؟). أم خالد زلغطت من دون ما تعرف القصة، وطبعاً ما بتسترجي تخالف الأمر، لأنه في بعض الأحيان، لما بيطلب منها أبو خالد شي وما بتنفذه فوراً، كان يضربها بالبريم. ومن حقارته كان يقول لأصحابه إنه النسوان والولاد متل السجادة، إذا ما دقيتها بالعصاية كل مدة بتتوسخ. المهم، أم خالد زلغطت، من دون ما تعرف شي، وقعدت حتى تصب الشاي، وقالت لزوجها:

- فرحوني معكم، على أيش الزلاغيط؟

أبو خالد: هالرجل الطيب، إبن الطيبين، بكار، أبو كرم، بده يزوج إبننا خالد، وبدو يفتح له بيت ويأمن له شغل.

كانت أم خالد بتعرف إنه زوجها ندل وانتهازي وطماع ومقصر بحق أولاده، لكن مو لهالدرجة. منشان هيك امتعضت، ووقفت وقالت:

- الله يكتر خيرك يا أبو كرم. ما بتقصر. عن إذنك خاي، أنا وراي شغل.

وبعدما طلعت أبو خالد غمز بكار بعينه وقال له:

- النسوان حاشاك عقلهن قليل. لو كانت بتفهم كانت فرحت وعبت الدنيا زلاغيط.

أم خالد، بعدما طلعت من غرفة الجلوس صارت تفكر بأن زوجها ما راح يعدّي هالموقف على خير، وإن لازم يشوف منها موقف إيجابي، وإلا بيستفرد فيها بعدما يروح بكار، وبيعمل لها اللازم، بالبريم. وفكرت كمان إن زوجها ما راح يتغير، فأشو المانع إنها تفرح لإبنها اللي راح يتزوج ويعيش حياة كويسة؟ رجعت ع الغرفة، وصارت تتشكر بكار، وكل شوي تزلغط، وصارت تحكي بالخير على أم بكار، اللي هيي رفيقتها من زمان، وبيناتهن خبز وملح. وبعدين سألته:

- يعني أنت في بذهنك عروس معينة نخطبها لخالد؟

بكار: لا والله يا خيت أم خالد، ما في. نحن لازم نخطب لخالد البنت اللي في ذهنه هوي.

قال أبو خالد وهو يلمس بيديه على جيبه الذي وضع فيه الـ 150 ليرة التي أخذها قبل قليل من بكار:

- الله محيي أصلك يا أبو كرم. هادا هوي الحكي اللي بيجيب نتيجة.

وقال لأم خالد: لأن اللي بده يتزوج هوي خالد، وخالد لازم ينقي عروسته على كيفه. علي الطلاق هادا عين العقل.

أم خالد: طيب، يعني خالد في بذهنه عروس محددة؟

بكار: أنا لسه ما فاتحته بالموضوع، لكن متلما بتعرفي، خالد في الأساس كان بيحب بنت إسمها خيرية، ولما أبوه ما وافق يخطب له إياها طق عقله، وساح في زواريب القرية، وسمى نفسه "أبو الدك"، وبعد مدة قصيرة تزوجت خيرية، وراحت مع زوجها ابن أبو موسى الجندي، وسكنوا في حلب.

أم خالد: صح هالحكي. وبعدما تزوجت صار في مشاكل كتير بينها وبين زوجها، وحردت في دار أهلها مرتين أو تلاتة، ومن كم يوم قالوا إنها تطلقت، ورجعت تعيش في بيت أبوها ع طول.

بكار: عليكي نور يا أختي أم خالد. وعلى فكرة، إبنك خالد ما بيعرف إنها تطلقت. وأنا بتوقع إنه راح يفرح كتير إذا منزوجه إياها.

أم خالد: بس هاي مطلقة!

أبو خالد: وإذا مطلقة؟ ان شالله بدك تعوجي لسانك وتحطي لنا في الرز بصل؟ يعني المطلقة مانها بنت خلق وعالم؟ اسمع هالحكي خاي أبو كرم. أنا بشوف إن خيرية منيحة لخالد، حَفر وتنزيل، وأنا مستعد أروح وأطلب له إياها. بتحب نروح هلق خاي بكار؟

بكار: لأ، خلينا نشوف صاحب العلاقة بالأول. القصة مانها بسيطة يا أبو خالد. حتى إذا منطلبها، ممكن أهلها ما يوافقوا.. خلونا نمشي بالقصة خطوة خطوة.

أم خالد: ليش ما يوافقوا؟ بيلاقوا أحسن من خالد؟

بكار: هادا السؤال يا أختي أم خالد ما إله جواب. لأن كل أم بتقول إبني أحسن شي في الدنيا.

أبو خالد: اللهم صلي على سيدنا محمد. يا أم خالد وحدي الله ولا تقعدي تخربطي لنا الشغل. خاي أبو كرم، إذا بدنا ناخد خيرية لخالد؛ من وين لازم نبدا؟

بكار: إذا كنتوا واثقين فيني اتركوا لي الموضوع، أنا بتصرف.

(للقصة تتمة)

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...