سمر رمضاني في إسطنبول (7)

سمر رمضاني في إسطنبول (7)

27 ابريل 2021
+ الخط -

أحب الحاضرون في سهرات السمر الرمضاني الأحاديثَ التي تتصل بالجو الاجتماعي الذي رافق ظهور التلفزيون في بداياته، وراحوا يستزيدون منها، وكان أكثرَ الحاضرين إلحاحاً على سماع هذه السيرة الأصدقاء ذوو الأعمار الصغيرة الذين ولدوا حينما كان التلفزيون موجوداً في كل بيت، أو كما تقول السيدات (كان يطلع ضمن جهاز العروس)..

أم زاهر: هادا الكلام صحيح، يوم كنا مخطوبين أنا وأبو زاهر سألني أشو بتحبي نفرش البيت؟ قلت له الشغلات الأساسية، غسالة وبراد وتلفزيون وراديو، والشغلات الفراطة منعمل فيهن قائمة ومنشتريهم.

أبو محمد: قريتنا ما دخلها التلفزيون لبعد سنة 1980، أول شي ما كان عنا كهربا، ولما مرت الشبكة العامة اللي بتوصل مدينة إدلب مع بعض البلدات الرئيسية من فوق قريتنا، تحولنا كلياتنا لحرامية كهربا، كل واحد من ولادنا كان يجيب شريط كهربا طويل، ويشقه بالنص، ويعزل راس الشريطين اللي من قدام، ويتعربش ع العمود، ويعلق كل شعبة من الشريط بواحد من الأشرطة اللي في الشبكة، ويكون عامل وصلة مع لمبة، إذا اشتعلت بتكون عملية السرقة تمت بنجاح، وبوقتها كنا نجيب كهربجي يمدد لنا الكهربا للغرف، وبكل غرفة كنا نحط مأخذ أو تنين، ونشغل الأدوات الكهربائية الموجودة عندنا، أول شي صاروا الشباب يجيبوا مسجلات وكاسيتات، وكل شاب يحط شريطه المفضل، ويعلي الصوت، فإذا مريت من قريتنا بتسمع صوت أبو حسين التلاوي مختلط بصوت أديب الدايخ، بصوت عوض الزردنيوي، بصوت نايف الكفروي، وقليل من المسجلات كانت تحط صباح فخري أو فهد بلان. مرحلة المسجلات عملت مشاكل في القرية، واجتمعوا الكبار وقالوا إنه هالشي ما بيصير، أشو طول ما الإنسان ماشي بيسمع بعيق وصياح، وواحد بيقول "أمان أمان" والتاني بيقول يا "ليل يا عين"؟ خيو، كل واحد يوطي صوته مسجلته وينطرب في داره.

أبو إبراهيم: بالنسبة لأبو زاهر، أنا بشوف إنه استفاد من محروق النفس حافظ الأسد بشغلة مهمة، وهيي "حرق مراحل الفرجة"، والقفز 16 سنة إلى الأمام دفعة وحدة

كمال: اللي عم يقوله أبو محمد شي مهم وطريف بالفعل. تصوروا إنه كل أهل القرية بتسرق كهربا. وأصوات البعيق معباية فضاء القرية.

أبو محمد: نحن لما سرقنا ما كنا منعتبر حالنا سراقين، بس أنا ما بظن في بلد أو قرية بتمر فوقها كهربا وبتبقى عايشة عاللمبة واللكس والشمعة، الكهربا ما بتتقاوَم، وشي طبيعي الناس تسرق.. والدولة كانت بتعرف هالشي، لأن كل القرى اللي مارقة فوقها الشبكة كانت توصل أسلاك وتاخد كهربا تحت بند "سرقة"، واستمرت الحالة هيك شي سنة، لحتى صارت الكهربا عندنا نظامية، وركبوا لنا عدادات، وصرنا ندفع مصاري (فواتير) للدولة.

أبو ماهر: الحقيقة حديثكم ممتع، عم نسمع بأشياء ما كنا منعرفها، لأن نحن في حماه كان عندنا كهربا من قديم الزمان، والناس صاروا يشتروا أجهزة تلفزيون، وشوي شوي دخل التلفزيون كل بيت.

كمال: في المدن الكبيرة أكيد الوضع مختلف. البلدات الزغيرة والقرى عالمهما مختلف، وأكتر طرافة.

أبو المراديس: هلق راح نرجع لموضوعنا اللي انطلقنا منه، اللي هوي رمضان والتسلية، وبرأيي إنه مو غلط إني تعمقنا في البحث، وصرنا نحكي على الأيام الأولى لظهور التلفزيون، لأن قبل التلفزيون، في الحقيقة، مو متل بعد التلفزيون. والحقيقة أنه المرحلة الأولى كانت سيئة جداً، قصدي المرحلة التجريبية اللي كان الإرسال ينقطع كتير بسبب الأعطال الفنية، المرحلة التانية كانوا الفنيين في التلفزيون تعلموا كيف يتلافوا الأعطال، وصار الإرسال شبه منتظم، والناس في البيوت تعلموا كيف يوجهوا الهوائيات (الأنتينات) باتجاه مركز البث دمشق، وثبتوها منيح. حتى في ناس صاروا يجيبوا برميل، ويقصوه، ويزرعوا في قلبُه عمود الهوائي، ويجيبوا شوية بحص ونحاتة وشمينتو، ويصبوه على شكل قالب بيتون، بحيث ما يتلحلح الأنتين من مكانه، وتبقى صورة التلفزيون واضحة. بهاي الفترة في ناس عشقوا التلفزيون، وظهر مصطلح جديد بيقول إنه (فلان بيتفرج ع التلفزيون من العَلَم للعَلَم). وبالمناسبة، أنا لما خطبت أم مرداس، سألتها كيف بتمضي أوقاتك؟ حكت لي كيف بتخلص دوامها في المدرسة، وبتجي ع البيت، وبتساعد أمها في الشغل، لوقت ما يناموا أهلها، وبتقعد قدام التلفزيون لوقت ما يسكر، وبوقتها بتروح ع النوم.

قالت حنان: إنته قلت (لما خطبت أم مرداس).. يعني لما خطبتها كان إسمها أم مرداس؟

ضحك الحاضرون، وضحكت معهم وقلت: سؤالك ذكي كتير ست حنان. وإذا بدنا نطور الفكرة، ممكن تسأليني (كيف تعرفت على زوجتك)؟ بقلك: أنا كنت ولد في الصف السادس وأجت عمتي أم لؤي من إدلب وزارتنا في معرتمصرين، وكان معها طفلة حلوة في الصف الرابع إسمها أم مرداس، ولعبنا نحن وأم مرداس بسباق الركض..

أبو زاهر: أنا بصراحة كنت متولع بالتلفزيون، وكنت أتفرج عليه متلما بيقولوا من العَلَم للعَلَم، ولكن فجأة اكتشفنا إنه حافظ الأسد إلُه رأي تاني. دخلنا سجن تدمر في سنة 1980، وطلعنا منه محمولين بالسلامة في سنة 1996.

سأله كمال بطريقة ملغوزة: وهالواطي حافظ الأسد ما كان يفرجيكم ع التلفزيون بسجن تدمر؟
أبو زاهر: كيف لكان؟ محروق النَفَس ما قصر معنا في هالمجال، بس المشكلة إنه ميزانية سجن تدمر الترفيهية كانت محدودة، منشان هيك  التلفزيونات عندنا كانت 14 بوصة، وأنا بصري ضعيف، ما كنت أستمتع بالفرجة، ولذلك كنت أتركه مطفي على طول.

أبو إبراهيم: بالنسبة لأبو زاهر، أنا بشوف إنه استفاد من محروق النفس حافظ الأسد بشغلة مهمة، وهيي "حرق مراحل الفرجة"، والقفز 16 سنة إلى الأمام دفعة وحدة.

أبو المراديس: بس أبو زاهر كان عايش قبل السجن كل تفاصيل المرحلة اللي كنا عم نحكي عليها. وأنا بشوف إنه أهم شي بهاي الفترة كانت الكوميديا التلفزيونية.

حنان: هلق دخلنا بالجد. سمعونا.

أبو المراديس: حديث الكوميديا التلفزيونية طويل ومتشعب. أشو رأيكم نحكي عنه في السهرة اللي جاية؟

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...