العنف الأسري

العنف الأسري

13 اغسطس 2023
+ الخط -

 

يصنف العنف الأسري بأنه عنف غير مرئي، وقد يبقى مخفياً لزمن طويل، إذ يدور بين جدران المنازل بعيداً عن مرأى المجتمع، وتحيط به حالة صمت وكتمان ولا يزال بالنسبة للكثيرين/ات شأناً عائلياً خاصاً لا يعني غير المعنيين/ات مباشرة به.

ثمة من يتهم علناً بأن الكثير من بلاغات النساء بشأن العنف الأسري كاذبة، لا بل وتستخدمها النساء للوصول إلى أهداف شائنة أو مصلحية أو انتقامية. إن النسبة الكبرى من النساء اللواتي يتعرضن للعنف يلزمن الصمت لأسباب كثيرة تتعلق بمعوقات اجتماعية وقانونية وشخصية، مع أنّ حالات العنف المعلوم بها أو المبلّغ عنها أقل بكثير من الحالات الموجودة فعليا.

حين تتوفر الظروف الملائمة لكشف أي شكل من أشكال العنف الأسري ويتم تأمين شروط الحماية اللازمة للنساء الناجيات، يجب ضمان حقهن في وصول أصواتهن للإعلام للتعبير عن قضاياهن وعن أنفسهن كما يشأن.

لا شيء يبرر العنف الأسري، ولا شيء يبرر اعتماده كسلوك بذريعة ضرورة مواجهة أخطاء معينة، لا يمكن أبداً قبول العنف كردة فعل طبيعية عائلية أو شرعية. تكمن أهمية مواجهة أي عنف أسري في ضرورة تحميل المعنّف أيا كان مسؤولية العنف الذي قام به، ينبغي عدم الركون إلى المبررات التي تؤدي إلى التخفيف من مسؤولية المعنّف وإفلاته من العقاب.

لا شيء يبرر العنف الأسري، ولا شيء يبرر اعتماده كسلوك بذريعة ضرورة مواجهة أخطاء معينة، لا يمكن أبداً قبول العنف كردة فعل طبيعية عائلية أو شرعية

العنف الأسري عابر للمجتمعات وللجغرافيا ولا يتأثر إلا قليلاً بالفروقات الاقتصادية والاجتماعية والدينية. لذلك ينبغي عدم تعميم نظرية أن حوادث العنف تقع فقط في مناطق معينة وفي مجتمعات وأسر فقيرة أو ذات مستوى تعليمي متدنٍ.

يحرف البعض زوايا دائرة العنف، يتم اتهام النساء الصامتات عن العنف الذي يلحق بهن، بأنهن يهوين تعذيب أنفسهن، وكأنهن يملكن كل أدوات الاعتراض ومنافذ الوصول إلى المساعدة القانونية والصحية والمجتمعية ولا يفعلن ذلك، إن الاستسلام المطلق للعنف هو جزء من تركيبة محكمة الصياغة مقبولة ومعممة، تحرم النساء حتى من الشكوى وتحارب النساء المشتكيات بكل الطرق الممكنة، من حرمانهن من الوصول إلى المحاكم حتى الهجر العاطفي والحرمان الاقتصادي والنبذ والعزل المجتمعي.

إن العنف الأسري هو أحد أشكال العنف الموجهة ضد المرأة تحديدا بناء على قاعدة من التمييز التاريخي المتأصل ضد النساء. طالما أن التمييز موجود، فلا بد أن العنف موجود ويتجدد وتتعدد أشكاله.

يمتد أثر العنف الأسري ليطاول كل أفراد العائلة حتى لو تركز بصورة مباشرة على نساء العائلة، وقد يتحول الأطفال الشهود على العنف الأسري إلى معنفين لأنهم تربوا على أن ما يحدث من عنف هو شكل طبيعي يجري ضمن كل العائلات، يتأثر الأطفال بنموذج العلاقة التي يعيشونها بين والديهم، وقد يتماهون مع  كل ما يرونه، لكن هذه النتيجة ليست حتمية، أحياناً ونتيجة التربية والتعليم في المدرسة أو لسبب شخصي مباشر أو نتيجة التأثر بسلوك شخصية إيجابية لاعنفية ينتفض الأطفال حين يكبرون على تعميم العنف كشأن عائلي طبيعي.

إن العنف الأسري هو أحد أشكال العنف الموجهة ضد المرأة تحديداً بناء على قاعدة من التمييز التاريخي المتأصل ضد النساء

وفي بعض الحالات ورغم الأذى المباشر الذي يتعرض له الأطفال وعلى الرغم من آثار العنف التي تبقى حاضرة في تصرفاتهم وردود أفعالهم أو في ذاكرتهم، إلا أن بعض الأطفال يلجؤون ليكونوا حماة لأمهاتهم، هنا تبرز ضرورة مزاوجة برامج الدعم لنساء ولأطفال العائلة لتدريبهم على رفض العنف والحد من آثاره المدمرة بحيث لا يتحول إلى قاعدة عامة لسلوك جميع أفراد العائلة والمجتمع.

إن التمييز ضد المرأة والعنف الأسري موضوعان متلازمان، لا يمكن الخلاص منهما إلا بتثبيت المبدأ العالمي بإلغاء كافة أشكال التمييز بين النساء والرجال وصولاً إلى المساواة التامة التي تضمن الحد من كل أشكال العنف الأسري.

سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.