الشعب ما زال يريد

الشعب ما زال يريد

20 ديسمبر 2020
+ الخط -

في ذكرى الربيع العربي تقول "فورين بوليسي" في أحدث تقاريرها: "إن هذا الشعور بالتفاؤل، هذا الشعور الملموس بأن الحريات الديمقراطية يمكن أن تصل أخيرا إلى الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط، كان خطيرا للغاية على الديكتاتوريات والأنظمة الملكية الوراثية التي حكمتهم، لدرجة أنهم أمضوا السنوات التسع التالية في حرب ضد شعوبهم، وتمليح الأرض للتأكد من أن الحركات الديمقراطية التي أرعبتهم لن تتجذر مرة أخرى". انتهى الاقتباس، والسؤال: هل نجحوا في وأد الربيع رغم "تمليح" الأرض وفق توصيف المجلة الدولية، بل وتسميمها؟

 فقد مرت الأسبوع الفائت الذكرى العاشرة لاندلاع الثورات العربية "الربيع العربي"، الذي تفجر على يد شاب تونسي، بائع جائل ذي 26 ربيعا، ضاق بالظالمين في بلاده فصارت صرخته نشيدا ردده ملايين المظلومين من المحيط إلى الخليج، ممن سلبتهم أنظمتهم الحرية، والحلم، وصادرت حقوقهم لعقود في العيش الكريم، وانتهت بتحويل بلدانهم لسجون تمتد عمائرها على مد البصر، ومقابر يحجز المغتربون قبورهم فيها قبل المغادرة، لأن الموت هو السبب الوحيد الذي سيحملهم على العودة.

عشر سنوات حلم فيها العربي بالحرية، وثار لأجلها، غنى قليلا في ميادينها محتفيا بما ظنه انتصارا، قبل أن تعلن أنظمته أعتى أنواع الحروب عليه وتمثل بجثته انقلابا هنا، وثورة مضادة هناك، مختتمة هذه المقتلة البشعة بالرقص على قبور الثوار بإقامة حفلات التطبيع الشاذة، وإنها لمكايدة بالغ القتلة في بشاعتها، بالغوا في التنكيل بالخصم بعد أن وأدوه وحلمه، إذ جاؤوا له بعدوه ليحتسوا سويا أنخاب الخيانة، ويرقصوا ظنا منهم أن من توفي لا يمكن أن يبعث من جديد.

تبدو دول الثورات المضادة أكثر تفتتا وانقساما، وتورطا في صراعات مختلفة، فتلك حرب اليمن التي دخلت عامها الخامس دون حسم، وهناك في القاهرة نظام اختنق مواطنوه، وسيختنق قريبا جراء مراكمته الفشل، وفي الإمارات العربية المتحدة وعقب تورطها في الحرب المفتوحة على الربيع العربي وشعوبه الثائرة

 

تلك الممالك العربية التي سخرت مواردها لتمويل الانقلاب على ثورات الشباب، وإخراس الأصوات التي علت للمطالبة بالحرية، ومن تآمر معها من النخب في تمكنيها من الإجهاز على الديمقراطية الوليدة، ارتكبوا جميعا خطيئة كبرى، ينبغي عليهم الإمعان في تدقيق المعطيات التي خلفتها العشر سنوات المنصرمة. فبدلا من تحقيق الاستقرار، تبدو دول الثورات المضادة أكثر تفتتا وانقساما، وتورطا في صراعات مختلفة، فتلك حرب اليمن التي دخلت عامها الخامس دون حسم، وهناك في القاهرة نظام اختنق مواطنوه، وسيختنق قريبا جراء مراكمته الفشل، وفي الإمارات العربية المتحدة وعقب تورطها في الحرب المفتوحة على الربيع العربي وشعوبه الثائرة، انتهت أبوظبي للتحالف مع عدو الأمة، وهو تحالف سيكون وبالا عليها قبل أي طرف آخر، اختراقا أمنيا وسياسيا واستراتيجيا، وإن حجم الرقص التطبيعي ليثير الشفقة إضافة للاشمئزاز، لأنهم لو سألوا المصريين الذين طبعوا مع إسرائيل قبل 40 عاما، والأردنيين، لشرحوا لهم كثيرا بل وتفصيلا عن إسرائيل ومشاريعها التخريبية التي تضاعفت في بلدانهم في زمن السلام أضعافا مضاعفة عما كانت قبله.

ولعل من الدلائل الأخرى على ضياع البوصلة، استثمار بعض الدول في رئيس مختل وفاشل، سيطرد بعد أسابيع من البيت الأبيض، وضخ مليارات الدولارات في جيبه وزوج ابنته، هو دليل آخر على تراكم الأخطاء الكارثية، دفعوا له ليوافق على غزو شقيقهم في البيت الخليجي، دفعوا له ليعجل ببيع القدس وتهويدها، دفعوا له ليكمل تسليم سورية للروس، دفعوا له ليصمت عندما تقصف إيران أرامكو، دفعوا له ليصمت على تقطيع جثة مواطن من مواطنيهم، دفعوا له ليرسل زوج ابنته مع وفد إسرائيلي ليدشن فتح عواصمهم لإسرائيل، دفعوا له ليصمت فيما تدك إيران أرامكو.

في الذكرى العاشرة للربيع، فإن جملة المعطيات تشير إلى أن الثورات أخمدت لكنها لم تمت، ولعل تجددها خلال السنوات الماضية في الجزائر والسودان وحتى مصر ليشي بأن النار كامدة لكنها مشتعلة، ورغم كل القتل والسجن والتجويع والعبث، إلا أن من ثار نهاية عام 2010 تأكد لديه بنهاية 2020 أنه كان على حق، وأن لا مناص إلا بمعاودة الثورة، لكن هذه المرة ستكون بتقديري حاسمة، لأن الخطأ لم يكن الثورة، بل الاكتفاء بنصف ثورة والاقتتال عليها، ومن يقم بنصف ثورة كمن يحفر قبره.

استوقفني وأنا أكتب هذه المقالة تقدير من الحليف الأوثق لدول الثورات المضادة، تقرير إسرائيلي، وكما هو معروف فقد باتت إسرائيل الحليف الأقرب والصديقة والعشيقة لدول الثورات المضادة، ولهذا ملت للنقل عن تقرير استخباراتي إسرائيلي لتحقيق " وشهد شاهد من أهلها".  

يقول التقرير إن هناك العديد من الأسباب التي "تدفع الاستخبارات الإسرائيلية للاعتقاد بأن موجات جديدة من الثورات العربية ستتفجر قريباً"، وينقل موقع "والاه" الإسرائيلي عن مصادر استخبارية في تل أبيب، قولها "إن انعدام الاستقرار الإقليمي وتعاظم تأثير مواقع التواصل وتطور التضامن الجماعي من شأنها أن تمهد لانفجار حركات احتجاجية شعبية واسعة النطاق وبقوة كبيرة في العالم العربي".

وأنهي مع الخلاصة التي انتهى لها التقرير أنه "وعلى الرغم من تمكن أنظمة الحكم من احتواء الكثير من الثورات والهبّات، فإن العوامل التي تساعد على انفجارها من جديد ما زالت قائمة، ومن شأنها أن تندلع بشكل مفاجئ وبقوة وزخم أكبر بكثير مما كانت عليه الأمور في نهاية 2010، جراء شيوع حالة انعدام الرضا في أوساط الجماهير العربية إزاء أداء أنظمة الحكم".

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.