غزة: صور لن تمحى من الذاكرة الفلسطينية

غزة: صور لن تمحى من الذاكرة الفلسطينية

08 يناير 2024
+ الخط -

ستنتهي حرب الإبادة الجارية في قطاع غزة عاجلا أم آجلا، والحقيقة التي لا شك فيها أن الشعب الفلسطيني باق، والاحتلال إلى زوال، لأن هذا ما قالته كتب التاريخ والجغرافيا، وسيحاسب النازيون الجدد على جرائمهم ولو بعد حين. لكن الأهم من كل ذلك تلك المشاهد والصور التي لن تغادر الذاكرة الجمعية للفلسطينيين في القطاع الصامد، وعموم الأرض المحتلة والشتات والمهاجر.

  الصورة الأولى من غزة هي للوحوش المسعورة التي فتكت بالأطفال والنساء، صحيح أن الفلسطينيين يقتلون منذ 76 عاما على أيدي تلك العصابات التي تتوهم أنها دولة، لكن ذلك السعار الوحشي المُصَوَّر والمُبث مباشرة في حرب إبادة غزة، وثّق لذوي الضحايا قبح وجه القتلة وهم يرتكبون جرائمهم، ووحشيتهم وهم يتفننون باختيار أشكال الموت، وآلات الفتك والقتل التي استعملوها لتوزيع الموت على كل الشعب الفلسطيني شبابا وشيوخا أطفالاً خدجاً ورضعاً، رجالاً ونساء، أصحاء ومعاقين.

الصورة الثانية: هي صورة رئيس ووزير خارجية أكبر دولة في العالم وهما يشاركان في مجلس الإبادة، يمضيان على أبشع مذبحة منذ الحرب العالمية الثانية، ذلك المشهد مربوطاً بجلبهما أرتالاً من القنابل الأميركية الحارقة والعنقودية وأخرى غبية، وأرطالاً من الرصاص المصبوب على رؤوس الأطفال، حولهم لرماد وهدم بيوتهم على رؤوسهم، معدات أميركية فتكت بالرضع والخدج.

لا يمكن أن ينسى فلسطيني وجه وزير خارجية أكبر دولة في العالم وهو يبرر مذبحة المعمداني، وغزوة الشفاء، ومذابح الإندونيسي وكمال عدوان، والإنزال الجوي في غرف العناية المركزة، وقتل طفل برفقة أبيه في شوارع موت كان يحتضنه فيها بحثا عن حياة، وسيدة تحولت أشلاء وهي تحتضن أشلاء طفلها، ووالد يرحل حاملاً أكياساً من بقايا ولده، كل تلك الصور محفورة ومتجذرة في الذاكرة والوجدان والوعي والكينونة الفلسطينية ولن تقتلعها كل قوى هذه المعمورة الناعمة والخشنة.

الصورة الثالثة: صورة حكام عرب لم تحركهم نداءات أحمد، وسارة، وأم "الأشقر الحليوة ذي الشعر الكيرلي"، وفاطمة التي بقيت ثلاثة أيام تحت أنقاض بيتها واستشهدت وهي تنتظر معتصم كانت لا تزال تظن أن صرختها ستصله، وحليمة التي ماتت وهي نائمة بقصف صهيوني لمدرسة الوكالة التي نزحت إليها، واستيقظت ابنتها الناجية الوحيدة في المستشفى لتتبين أنها أصبحت يتيمة الأم بعد الأب، لن تكن في المدرسة انتظارا للحصص الدراسية كما كانت تحاول أمها أن تقنعها وتواسيها، وإنما هربا من الموت الذي لاحقهم رغم تشبثهم بكل حبال الحياة.

لا يمكن أن ينسى فلسطيني وجه وزير خارجية أكبر دولة في العالم وهو يبرر مذبحة المعمداني

الصورة الرابعة: صورة جنرالات يرتدون نياشين، وبزات عسكرية، وأساطير عن انتصارات ملحمية. جيوش عربية لطالما غنى لها طلبة المدارس ومذاييع السلطات، وفنانو الزمن غير الجميل، جيوش صحيح أن عقيدتها القتال، لكن تبين أنه قتال شعوبها وليس عدو شعوبها.

الصورة الخامسة: صورة وجوه رجال دين، يفتون بما لم ينزل الله، يدعون للظالم، ويلعنون المظلوم، ويؤلهون الحاكم، ويصلبون المحكوم، يحرفون الكلم عن مواضعه، ويشركون مع الله حكاما وسلاطين.

الصورة السادسة: صورة ميادين عربية وعالمية، وأحرار في الدول العربية والإسلامية وفي العواصم الغربية وفي أميركا نزلوا للشوارع والميادين، وصرخوا بأعلى صوتهم وعزمهم، وكرسوا أوقاتهم، بعضهم خسر وظيفته، وقدم كل ما يمكنه للصدح بوقف العدوان، وإغاثة غزة، كثير منهم ليسوا عربا ولا مسلمين، لكن حركهم ضميرهم الإنساني، وإيمانهم بقضية العدالة، وحق الحياة، وعداؤهم للظلم، ونضالهم ضد الاحتلال، وكفرهم بسياسيي وإعلاميي بلادهم المتواطئين دون ضمير مع احتلال استعماري استيطاني استئصالي عنصري فاشي.

الصورة السابعة: صورة الخذلان في أقسى صوره، طفل يصيح والدماء تغمر وجهه الملائكي، وهو يحمل أخاه الرضيع: "وين العرب.. وين العرب"، حرب العدو قاسية وبشعة لكنها متوقعة، أما خذلان أبناء الجلدة فلا يضاهيه وجع.

الصورة الثامنة وقبل الأخيرة: صورة وجوه عربية، تتحدث بالعبرية، وإن نطقت بالعربية.

الصورة الأخيرة: صورة وجوه أطفال غزة شاحبة لكنها شامخة، نساء يبكين لكن دون أنين، و"رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا".

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.