الأعراس والوجه الآخر للتناقض

الأعراس والوجه الآخر للتناقض

17 سبتمبر 2023
+ الخط -

حان موعد وداع الصيف، لقد جاء شهر أيلول، شهر السباق مع الزمن، تكثر المناسبات السعيدة وخاصة الأعراس، درجات حرارة الطقس أخف وطأة، الإجازة السنوية مخبأة لهذا الحدث السعيد، والأهم أن المدعوين الأقرب جاهزون وحاضرون بكل محبتهم واستعدادهم للمشاركة.

فقط، في شهر أيلول وفي أيام محددة، الأحد، الخميس، الجمعة، السبت، تتفوق أبواق سيارات العرسان بحضورها وقوّتها على أصوات أبواق سيارات الإسعاف، يا لفرط السعادة والاطمئنان!

لكن للحكاية صوراً مختلفة، أعراس شعبية بسيارة واحدة للعروس يتبعها ميكرو صغير لا غير يحشر فيه عدد من النساء أو المعرسّين، وعلى المقلب الآخر، مواكب فخمة تتقدمها سيارة ليموزين أو أودي أو دفع رباعي للعروس، يتبعها موكب كامل لسيارات من اللون نفسه، وغالباً تكون من النوع نفسه، التناقض في الشكل هو الشكل الأولي للحكاية، وقد زادت حدة التناقض في الشكل لدرجة أن بعض العرائس ترتدي فساتين معارة أو مستأجرة، حسب إمكانية العروسين المالية، ولا يستأجر العروسان سيارات لموكب العرس من أصله، ولا تقام الحفلات الصاخبة قبل وبعد العرس، بل قد يذهب العروسان لتوقيع عقد الزواج بمفردهما، وبرفقة الشهود فقط، وبملابسهما اليومية، أو بملابس احتفالية بسيطة، وإن كانت هذه المظاهر قليلة العدد وقليلة الحدوث لكنها ظواهر حديثة العهد على المجتمع السوري. ولا بد من الإشارة إلى ازدياد الترحيب بها وتقبلها، كما لم يكن متوقعاً أو مقبولاً من قبل بصورة مطلقة.

لكن وبمواجهة تقبل التقشف أو الاعتدال، تبرز حالات مستنكرة من شدة البذخ، حفلات تصوير للعروسين على البحر وفي الغابة، سهرات عامرة وقوالب كاتو بملايين الليرات، عدا عن فساتين مخاطة ليوم واحد، وأرتال ممتدة من السيارات، وأكوام من الورود التي ترمى بعد ساعات قليلة من انتهاء العرس.

في الأعراس والمناسبات الخاصة كحفلات الخطوبة وأعياد الميلاد وحفلات معمودية الأبناء، تنفق النساء، بما لا يدع للشك، أضعاف ما ينفقه الرجال، على ملابسهن والإكسسوارات وتصفيف الشعر

في الأعراس والمناسبات الخاصة كحفلات الخطوبة وأعياد الميلاد وحفلات معمودية الأبناء، تنفق النساء، بما لا يدع للشك، أضعاف ما ينفقه الرجال، على ملابسهن والإكسسوارات وتصفيف الشعر، وتقوم بعض السيدات، وخاصة المقربات من العروسين، بتغيير أكثر من فستان في حفل العرس. كما تقوم بعض العرائس، وخاصة قبل بدء مراسم الحفل الساهر الذي يعقب الحفل الديني أو الرسمي لعقد الزواج، بتغيير موديل تصفيف الشعر بعد خلع الطرحة، وكلها إجراءات مبالغ فيها، وتستلزم نفقات عالية ودون أي فائدة تذكر، لكن يبدو بصورة حاسمة أنه للعرائس رأي آخر، كما أن لجمهور محبي ومحبات الإسراف في التكاليف ودعاة الإنفاق على الأعراس رأياً يؤكد ويرى أن كل ما سبق هو إجراءات إلزامية لأي عرس أو حفل زواج أو المناسبات الاحتفالية الأخرى.

بعد ثورة التكنولوجيا، واعتماد التواصل بشكل أساسي على وسائل التواصل الاجتماعي، لجأت غالبية أصحاب المناسبات السعيدة إلى توجيه الدعوة للمدعوين ببطاقة مصممة خصيصاً لحفل الزواج، لكن عبر وسائل التواصل الاجتماعي حصرياً. وهذا الإجراء وإن ساهم بتقليص نفقات وقيمة بطاقات الدعوة إلى الأعراس، لكنه لا يوفر إلا جزءاً يسيراً من حزمة تكاليف شكلية واستعراضية بالمطلق، لا بل وقد تكون فرصة للمبالغة والمزاودة من قبل أشخاص لا يرون مبرراً أو فرصة لإثبات وجودهم إلا في لفت الأنظار إليهم، عبر طرق إنفاقهم أموالهم بطريقة مستفزة للآخرين بشدة، وكلها في النهاية ستصير هباء منثوراً للأسف الشديد.

لا يبلغ التناقض في مجريات الحياة اليومية حده الأقصى في مناسبات الأفراح والأتراح فقط، بل يتعاظم التناقض ليصل إلى تفاصيل الوجبة اليومية، وتفاصيل محتويات الحقيبة المدرسية، ونوع الملابس وشكلها.

إنه التناقض في حدوده الأكثر دراماتيكية، تناقض بلا هوية، لكنه مفروض على أرض الواقع، ومدعاة للكثير من التحسر والتفجع والتعب، تناقض بات أساساً من أسس واقع مرهق وغير عادل.

دلالات

سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.