أم تزغرد عندما يسجن ابنها

أم تزغرد عندما يسجن ابنها

03 أكتوبر 2020
+ الخط -

في مطلع سهرة الإمتاع والمؤانسة تبرعت السيدة أم الجود بتلخيص حكاية الرجل الذي روى نكتة عن حافظ الأسد، وقد أطلقنا عليه في السهرة السابقة اسماً افتراضياً هو: "عبود العبود".

قالت: اللي فهمتُه من الحكاية إنه عبود حكى نكتة قدام مجموعة من أصدقاؤه، ملخصها إنه حافظ الأسد كان بيحب الحلويات كتير، وحاول يرشي طبيب القصر منشان يسمح له ياكل ربع كيلو حلويات كل يوم! ولما كان عبود راجع من السهرة على بيته، شاف واحد من أصدقاؤه، وترافقوا مع بعضهم ومشيوا، وفجأة طلعت قدامهم دورية اعتقلتهم، وركبوهم في السيارة وأخدوهم على فرع الأمن..

أبو المراديس: ما شالله عليكي يا أم الجود، بعد كم سهرة تانيات معنا بتصيري تحكي لنا إنتي حكايات. على فكرة تلخيصك كتير ممتاز. يا ستي، رفيقُه لعبود، بعدما وصلوا على فرع المخابرات، حققوا معه، وتبين إنه ما إله علاقة بكل هالقصة، ولا كان حاضر وقت عبود ألقى النكتة، فاحتفظوا فيه للصبح، وأطلقوا سراحه، وأما عبود فالقصة تبعه لاصت كتير، ولولا يكون هوي وعائلته من عظام رقبة النظام كان ممكن يعدموه.

أبو محمد: لهالدرجة؟!

أبو المراديس: عمي أبو محمد، إنته في أيام التمانينات كنت عم تشتغل في التجارة، وما بتعرف أيش كان عم يصير في سورية، في ناس أعدموهم لأسباب أقل من هيك. بتصدق إنه بزماناته أعدموا واحد بعدما اشتغل عندهم مخبر؟

أبو محمد: لو حدا غيرك عم يحكي هالحكي ما كنت بصدق.. برأيي العكس هوي الصحيح. قصدي اللي بيشتغل مخبر عندهم لازم يكافؤوه.

أبو المراديس: يا سيدي أعدموه، وإن شاء الله في سهرة تانية راح إحكي لكم حكايته بالتفصيل. خلونا هلق نتابع خيوط قصة عبود العبود. عائلة عبود، متلما حكينا سابقاً، معظمهم مؤيدين للنظام، وإلهم علاقات على مستوى عالي برموز السلطة، منشان هيك لما تلقوا خبر اعتقال عبود ما اهتموا كتير، وكل واحد منهم صار يقول للتانيين:

- بسيطة. إن شاء الله بتنحل.

وواحد منهم سأل عن إسم الفرع اللي اعتقله، ولما ذكروا له اسم الفرع قال بكره الصبح بروح لعند العقيد "فلان"، بشرب قهوة عنده، وبجيب عبود وبجي لهون.

واحد تاني قال: وإذا ما مشي معك الحال خبرني، أنا بعمل تلفون لسيادة اللواء "علان"، بحكي له القصة بيعطي إيعاز للعقيد فلان وبيطالعوا عبود.

أبو جهاد: أنا عندي سؤال. هدول قرايبين عبود بيعرفوا سبب الاعتقال وإنه حكى نكتة عن حافظ الأسد؟

أبو المراديس: بالأول ما كانوا بيعرفوا، ولما اجتمعوا في دار أهله صاروا يحطوا احتمالات، إنه يكون عبود، مثلاً، مرافق شي واحد معارض، والمعارض حاكي ضد النظام، وعلى الأغلب عبود سكت أو جاملُه بكلمتين! وفي احتمال تاني، إنه يكون عبود حاكي كلام قدام شخص، وهالشخص ما استوعب الكلام، واعتبره مسيء للقيادة، فكتب بحقه تقرير.. واستمروا يحطوا احتمالات لوقت متأخر من الليل.. ولما طلع الصبح راح عم عبود لعند العقيد فلان، وفوجئ لما خبره إنه قضية عبود كبيرة كتير، لأنه حاكي ضد الرئيس شخصياً، وإنه قيادة الشعبة الأمنية في الشام واصلها نسخة من التقرير، يعني الشعبة أخدت علم بالموضوع، وبهالحالة القصة ما بتنحل هون، على مستوى فرع إدلب.. والشعبة بعتت برقية، طلبت فيها إرسال عبود مع إضبارته إلى الشام، وعلى الأغلب اليوم المسا راح يبعتوه، مع دورية، ع الشام.

كانت أم عبود في هالفترة كتير قلقانة على إبنها، وكانت عم تسمع الأخبار وصار عندها إحساس إنه عبود ممكن يروح فيها إعدام، أو سجن عشر سنين

العم التاني اتصل باللواء في الشام، ولما عرف اللواء مين المتصل قال للسكرتيرة (اصرفيه) فردت عليه وقالت له إنه المعلم مو موجود في الفرع، وأنها راح تعطيه الإسم لما بيجي حتى يحكي معه. لكن هادا الأمر ما حصل، اللواء ما اتصل لأنه بيعرف إنه هادا الرجل راح يحرجه.. والعائلة عملت اجتماع تاني، ولكن هاي المرة كان أكتر جدية. جمعوا من بعضهم مبلغ كبير، وسلموه للعم أبو سمعو، المتنفذ الأكبر ضمن العائلة، المعروف عنه مقدرته ع المبادرة والمداورة، وحطوا تحت تصرفه سيارة بيك آب مع سائق، وعبوا البيكآب سمن وعسل وجبن ولبن وقشطة وشعيبيات وكنافة وصابون غار وزعتر حلبي، وركب أبو سمعو السيارة وعمل جولة ماراتونية زار فيها معارفه في ريف اللادقية وريف طرطوس والقرداحة، والتقى بعدد كبير من أقارب الضباط الكبار والمسؤولين الكبار في الدولة، وأخد منهم وعود بالمساعدة، وطلع من هناك على الشام وهوي حامل معه رسائل توصية من شخصيات بتمون فعلاً على هالضباط والمسؤولين، ومع ذلك ما مشي الحال.

أبو ماهر: حلو هالحكي. أنا شايف إنه ما بقي غير يحطوا عبود مع المعتقلين الخطرين في سجن تدمر.

أبو المراديس: هوي دخل السجن، بس مو بتدمر. المشكلة الخطيرة الوحيدة اللي كانت تواجه أبو سمعو في رحلته الماراتونية إنه المخبر اللي رافع التقرير كتير واطي، لأنه وقت حكي عبود النكتة كان مخبي تحت تيابه مسجلة، ومرفق معه نسخة من الكاسيت، يعني الضابط اللي بده يساعد أبو سمعو، كان بكل بساطة بيخزق التقرير وبيقول إنه القصة ما إلها أساس، أو بيقول إنه المخبر كذاب ومفتري وتقريره كيدي، لكن المخبر حَويط لدرجة إنه ناسخ من الكاسيت عدة نسخ وباعتها لكل الجهات صاحبة العلاقة في الأمن وفي القيادة.. وبالأخير ما بقي قدام أبو سمعو غير إنه يسعى لإيجاد تسوية..

أم زاهر: تسوية من أي نوع؟

أبو المراديس: كان بهديكة الأيام في عُرْف أمني، إنه المتهم اللي مو منتسب لتنظيم، ولا شايل سلاح، ولا إله ارتباط مع أي جهة خارجية، لما بيحكي ضد النظام أو ضد رأس النظام، يعني (مجرد حكي)، بينحبس سنتين، وإذا القاضي العسكري وجد أسباب مخففة معقولة ممكن ينزلها للسنة. بالليل اتصل أبو سمعو بأبو عبود، وعطاه ملخص الموضوع، وقال له أنا بدي أوقع على التسوية، أشو رأيك؟

قال أبو عبود: على خيرة الله.

قال أبو سمعو: وعدونا كمان إني خلال هالسنة تزوره أمه وأبوه كل شهر مرة.

كانت أم عبود في هالفترة كتير قلقانة على إبنها، وكانت عم تسمع الأخبار وصار عندها إحساس إنه عبود ممكن يروح فيها إعدام، أو سجن عشر سنين، وكل محاولات زوجها يقنعها بأني الشغلة بسيطة بائت بالفشل، ولذلك، لما عرفت إنه المشكلة انحلت بسجن سنة واحدة صارت تزغرد!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...