ولكُمْ في الأخلاق حياةٌ يا أُولي الأحزاب

ولكُمْ في الأخلاق حياةٌ يا أُولي الأحزاب

04 ديسمبر 2014
+ الخط -

كان لحادث الوفاة المباغتة للقيادي البارز في حزب الاتحاد الاشتراكي المغربي، أحمد الزايدي، وقْعُ الفاجعة والصدمة على عائلته وأصدقائه، ومفاجأة حزينة لدى قطاع واسع من الشعب المغربي، وظهر ذلك جلياً في خروج حشود كبيرة لتشييع الراحل إلى مثواه الأخير، وشهد له كثيرون ممن عرفوه عن قرب بدماثة أخلاقه وبالتزامه السياسي.

وكما يقول المثل العربي: "لكل حادث حديث"، فإنه، بقدر ما كانت وفاة الراحل الزايدي حادثاً فجائياً ومؤلماً لذويه ومقربيه، بقدر ما حمل معه دلالات وإشارات رمزية كثيرة، لأن الراحل لم يكن شخصاً عادياً، وإنما كان قيادياً سياسياً ملتزماً، اشتهر بنضاله السلمي والهادئ والرصين، خلال مسيرته السياسية والبرلمانية. لذلك، ليس مستغرباً أن يلتئم في جنازته كل ألوان الطيف السياسي والاجتماعي.

وقد أجمعت الشهادات الشفوية والمكتوبة التي قيلت في تأبين المرحوم أحمد الزايدي على أنه كان فاعلاً نشيطاً يمارس العمل السياسي بأخلاق ونُبْل، واعتبرته من المناضلين الاتحاديين القلائل، الذين ظلوا أوفياء لمنهج الزعيم التاريخي للاتحاد، الراحل عبد الرحيم بوعبيد، القائم على قاعدة "لا سياسة بدون أخلاق"، في حياتهم السياسية والحزبية، وكان ينأى بنفسه عن اللجوء إلى أساليب "الخداع والكذب والبذاءة والدسائس.." في نشاطه السياسي، مدافعاً عن استقلالية القرار الحزبي...

ما أحوجنا هذه الأيام إلى رجال من معدن الراحل الزايدي، يمارسون العمل السياسي بالتزام وصدق ووفاء، بعيداً عن الدسائس والبذاءة والكذب، والانتهازية والوصولية، التي طبعت الحقل السياسي في بلادنا في السنوات الأخيرة، حتى أصبحت السياسة عند بعض الطفيليات التي تتصدر المشهد مرادفاً لكل أنواع الدجل والكذب والتحايل، ما يدل على تردٍّ غير مسبوق للقيم النبيلة التي كانت تؤطر سلوك الفاعلين السياسيين، وهذا ما يهدد، في العمق، مصداقية العمل الحزبي والسياسي برمته، ويفقد المواطن عموماً، وفئة الشباب خصوصاً، الثقة في الممارسة السياسية، وبالتبعية في الاستحقاقات الانتخابية المرتبطة بها.

لمّا أصبحت السياسة من دون أخلاق، لم يعد أحد من المواطنين المغاربة يكترث بها، خصوصاً الشباب الذي لا يجد نفسه معنياً بما يروج في الساحة السياسية من صراعات وممارسات، لا أخلاقية. لذلك، عوض أن ينضم إلى الأحزاب السياسية، وجد كثير منه ضالته في الانضمام إلى مشجعي الفرق الكروية، ولو كان قادة الأحزاب يدركون أهمية الطاقات الشابة في تنشيط وتطوير العمل الحزبي، لبذلوا الوُسْعَ في استثمار هذه الطاقات الضائعة.

إن الفلسفة التي تقوم عليها نظرية "لا سياسة بدون أخلاق" مفادها بأن السياسة، باعتبارها "فن إدارة المتاح أو الممكن"، لا يمكن أن تحقق غايتها النبيلة التي هي العناية بمصالح المواطنين والدفاع عنها، من دون استنادها على قواعد أخلاقية، مثل الشفافية والنزاهة والمصداقية والأمانة والوفاء والالتزام والاستقامة، وغيرها من المبادئ التي لا يمكن للممارسة السياسية أن تستقيم من دونها، وفي غيابها تصبح الحياة السياسية مسرحاً لطقوس الدجل والمكر والخداع والتملق والانتهازية. لذلك، حرصت التشريعات الوضعية على بناء النظام القانوني الذي ينظم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، على قواعد أخلاقية تروم ضبط الانحرافات من جهة (القانون الجنائي) والحقوق والحريات (القانون المدني).

لا يختلف إثنان على أن المشهد السياسي المغربي أصبحت تطغى عليه السلوكيات والممارسات اللاأخلاقية، إلى درجة فقدان العمل السياسي مصداقيته وجديته، وصار مستباحاً من المتسلقين والوصوليين وتجار الانتخابات، ولم يعد الانتماء الحزبي يقوم على القناعة الأيديولوجية والولاء العقائدي، بل أصبح يعتمد، أساساً، على المصلحة، أو المنفعة السياسية، بحيث قد تجد فاعلاً سياسياً من اليسار ينضم إلى حزب ليبرالي أو العكس، وقد يتحالف حزب يساري مع حزب يميني في مناسبة انتخابية، من أجل تحقيق منافع سياسية. وقد تعرضت أحزاب لتصدعات وانشقاقات بسبب وجود عناصر داخلها، لا تمتلك الحد الأدنى من الأخلاق السياسية، وهذه العناصر توظفها أطراف خارجية، سواء في السلطة أو في أحزاب وتنظيمات أخرى، لإحداث الانقسامات داخلها لغاية تفكيكها من الداخل.

وليس عنا بعيداً ما حصل داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، الذي كان أقوى حزب معارض للنظام، في مرحلة ما سُمّيت بسنوات الرصاص، وظل متماسكاً تنظيمياً على الرغم من كل الضربات التي تلقاها، لكنه، بعد دخوله في تجربة ما سُمّي بالتناوب التوافقي، وتحمّل مسؤولية تدبير الشأن العام، في ظل أوضاع سياسية واقتصادية مأزومة، وحكومة محدودة الصلاحيات التنفيذية، كان من الطبيعي أن تنعكس تلك التجربة الحكومية على شعبية الحزب، بعد فشله في إنجاز الإصلاحات التي وعد بها الناخبين، وكان لذلك تأثير كبير على تماسكه التنظيمي، وتفجرت عدة خلافات وصراعات داخل قيادة الحزب. وكانت النتيجة حدوث انشقاقات متتالية داخله، آخرها الانقسام الذي وقع بين تيار الراحل أحمد الزايدي المُسمّى بـ"الانفتاح والديمقراطية"، والتيار الذي يقوده لشكر الكاتب الأول للاتحاد، على خلفية المؤتمر الأخير للحزب، الذي شككت في شرعيته بعض قيادات التيار المناوئ، وما أعقب ذلك من صراعات سياسية، أهم أسبابها اتهام القيادة الجديدة بالاستحواذ على هياكل الحزب ومؤسساته بطرق غير ديمقراطية من جهة، ومن جهة أخرى الخروج عن الخط الفكري والسياسي لحزب القوات الشعبية، خصوصاً المبادئ والقيم التي قام عليها الحزب، وناضل من أجلها لسنوات عديدة.

CE7EB635-75EB-4416-B522-A8AA5BDBE4A0
CE7EB635-75EB-4416-B522-A8AA5BDBE4A0
فؤاد الفاتحي (المغرب)
فؤاد الفاتحي (المغرب)