في ذكرى المأساة السورية

في ذكرى المأساة السورية

19 مارس 2015
+ الخط -

على الرغم من مرور أربع سنوات على الانتفاضة السورية ضد نظام الاستبداد، ما زال الشعب السوري يعاني الأمرّين، بين حرب إبادة يومية تشنها عصابات الأسد عليه والتواطؤ العربي والغربي مع النظام، حيث يكشف تعطيل الحل في سورية تقاعس المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، عن القيام بواجبه الأخلاقي والسياسي، من أجل وقف المأساة الإنسانية، وضمان انتقال سياسي، يضع نهاية للنظام الدموي في سورية، مما يعني غياب أي إرادة سياسية لدى الغرب لحل عاجل وعادل للملف السوري.
وإذا كانت الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الأولى عن تدهور الوضع السوري، باعتبارها القوة العظمى التي تمسك زمام القرار الدولي، فإنها، في الوقت الذي كان يُنتظر منها التحرك العاجل والحازم لحماية المدنيين، ومحاسبة نظام الأسد عن المجازر التي ارتكبها في الأربع سنوات الماضية، ها هو وزير خارجيتها، جون كيري، يخرج بموقف سياسي مريب، يزيد من تعميق الأزمة، فقد عبّر، أخيراً، عن رغبة واشنطن في التفاوض مع الأسد، من أجل تحقيق انتقال سياسي، وأن على بلاده الضغط عليه لحمله على التفاوض. وقد حاول البيت الأبيض عقب ذلك احتواء الأمر، والتقليل من مضمون تصريح كيري، بمنحه تأويلاً مختلفاً، والقول، إنه لم يكن يقصد التفاوض المباشر مع الأسد، وإنما ممثلون عن النظام.
يناقض هذا الموقف الجديد للولايات المتحدة، كليّاً، الموقف السابق الذي أعلنته بشأن الأزمة السورية، حيث ظل المسؤولون في الإدارة الأميركية يعتبرون الأسد فاقداً للشرعية، وأن لا مكان له في مستقبل سورية، أما اليوم وبعد التحولات التي شهدها الوضع السوري والإقليمي، تتراجع واشنطن عن موقفها، وعن دعم الشعب السوري في انتفاضته ضد أسوأ نظام إرهابي، وأبدت حرصها على بقاء النظام السوري، كما قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وهذا يدل على أن واشنطن لم تكن جادة في إنهاء المأساة الإنسانية في سورية، وأن أولويتها لم تكن إنهاء حكم الأسد، لأنه نظام ظل حاميّاً وحارساً لأمن الكيان الصهيوني، الحليف الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
أما الأولوية عند الولايات المتحدة، فهي محاربة الإرهاب، وخصوصاً تنظيم داعش، وهو ما يطرح السؤال: هل هناك إرهاب أخطر مما يرتكبه نظام الأسد في سورية؟ ولماذا قادت الولايات المتحدة حلفاً عسكريّاً ضد داعش، عند قتله رهائن أجانب، في حين لم تستدع المجازر الدموية التي ترتكبها دواعش الأسد قيام تحالف دولي لحماية المدنيين السوريين؟
كان موقف الدول الغربية من الربيع العربي، منذ البداية، ملتبساً، خصوصاً إزاء الانتفاضة الشعبية في تونس ومصر واليمن، لكن الموقف من الثورة السورية كان أكثر التباساً وغموضاً، بحيث لم تمارس ضغوطاً جدية وقوية على الأسد، للتنحي عن السلطة، وحقن دماء السوريين، ما جعل النظام يتمادى في جرائمه، وأطال عمر الحراك الشعبي ليصل إلى ستة أشهر، على الرغم من حجم المجازر والضحايا المدنيين الذي تجاوز كل الخطوط، بعد لجوء النظام الدموي إلى عمليات القتل الوحشي، منذ اليوم الأول من الانتفاضة، مستخدماً الأسلحة الثقيلة والصواريخ والبراميل المتفجرة والغازات السامة. وكان للصمت المطبق للمجتمع الدولي دور في استمرار المأساة، مما أدى إلى حدوث انشقاق داخل الجيش السوري، والتحاق ناشطي الثورة السلمية بالكتائب المنشقة، وتشكيل وحدات للدفاع عن المتظاهرين، ليزداد الوضع تعقيداً بعد عسكرة الثورة، للدفاع عن المدنيين من هجمات شبيحة الأسد، وتشكيل ما عرف بالجيش الحر، وتأسيس الائتلاف الوطني السوري ممثلاً لمختلف القوى السياسية والاجتماعية المعارضة، أمام المنتظم الدولي.
ظلت القوى الكبرى تصدر، بين الفينة والأخرى، تصريحات خجولة، تخفي عدم جديتها في إنهاء النظام الاستبدادي في سورية، وإن كانت تقدم دعماً محدوداً وضعيفاً للمعارضة، بشقيها السياسي والعسكري، حتى لا تظهر حقيقة عدم رغبتها في رحيل الأسد، ويؤكد ذلك عدم اتخاذ مواقف حازمة إزاء المجازر اليومية. ولم يكن موقف منظمة الأمم المتحدة أفضل حالاً، بحيث لم نسمع لها موقفاً قويّاً إزاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان السوري، كما أن تراجع الرئيس، باراك أوباما، عن تهديده الأسد، بأن استخدامه السلاح الكيماوي خط أحمر، يخفي عدم رغبة واشنطن وحلفائها في إنهاء حكم الأسد، وإحالته، هو وقادة حكمه، على الجنائية الدولية، لمحاسبته على الجرائم البشعة التي ارتكبها. وتحل الذكرى الرابعة للثورة السورية مخلفة حصيلة غير نهائية، على الرغم من فداحتها، فإنها لا تعكس إلا جزءاً يسيراً من الكارثة الإنسانية التي تتجاوز الأرقام المعلنة، حيث سقط أزيد من 250 ألف شهيد، معظمهم مدنيون حسب تقديرات الأمم المتحدة، وآلاف الجرحى والمعاقين، وأكثر من ستة ملايين لاجئ، وثلاثة ملايين نازح، وآلاف المفقودين والمعتقلين والمشردين والأيتام والأرامل، وتدمير معظم المباني السكنية والبنيات التحتية والخدمية، وحصار المدن وتجويع السكان (299 ماتوا جوعاً، و12 مليون سوري مهدداً بالمجاعة).
وعلى الرغم من كل هذه الخسائر الكارثية التي تسبب فيها النظام الدموي، ما زالت الولايات المتحدة وحلفاؤها يعتبرون الأسد جزءاً من الحل، وليس جزءاً من المشكل، وأن الحل لا يمكن إلا أن يكون سياسيّاً وليس عسكريّاً، ولا ندري لماذا ما زالت تدعم المعارضة "المعتدلة" بأسلحة "غير فتاكة"، مع أن جولات الحوار التي جرت في السابق، سواء جنيف 1 أو جنيف 2، لم تسفر عن أي تسوية سياسية، وهي، في الوقت نفسه، لا تريد تقديم الدعم العسكري اللازم، لكي تحسم المعارضة الحرب لصالحها. ويكشف هذا الموقف الغامض والمتناقض عن النفاق السياسي الذي يمارسه الغرب في تعاطيه مع القضايا الدولية، ويظهر جليّاً في القضايا العربية، وخصوصاً في الملف السوري، حيث برز التعاطي الغربي الفاتر مع نظام يرتكب أبشع الجرائم، واعتماده معايير مزدوجة، وهو ما سمح للنظام الدموي بأن يوظف الحرب على الإرهاب لصالحه، ويقدم نفسه حليفاً للغرب في تلك الحرب. وقد جعل هذا التقاعس الغربي الأمم المتحدة تخرج عن صمتها، تزامناً مع الذكرى الرابعة للأزمة السورية، وتؤكد أن القوى الكبرى لا تسعى إلى إيجاد حل سياسي للقضية السورية، وأنها تعطي الأولوية فقط لتحقيق مصالحها في المنطقة، من دون تقدير واعتبار للوضع الإنساني الخطير الذي يعيشه الشعب السوري في الداخل والخارج.

 

 

 

CE7EB635-75EB-4416-B522-A8AA5BDBE4A0
CE7EB635-75EB-4416-B522-A8AA5BDBE4A0
فؤاد الفاتحي (المغرب)
فؤاد الفاتحي (المغرب)