وداعاً "دلوعة الشاشة" شادية

وداعاً "دلوعة الشاشة" شادية

28 نوفمبر 2017
توفيت شادية بعد صراع مع المرض (فيسبوك)
+ الخط -
خيّمت حالة من الحزن على الأوساط الفنية والإعلامية والجمهور العربي، اليوم، بمجرد إعلان خبر وفاة النجمة القديرة المعتزلة، شادية، عن عمر يناهز 86 عاماً، إذ أُسدل الستار على حياتها ومشوارها الفني، وستظل باقية بأفلامها وأغنياتها التي استطاعت بها أن تتلون بكل الألوان الغنائية، فقدمت الرومانسي والأسري والوطني، ولا أحد ينسى أغنيتها التي لا تزال حتى الآن تزلزل كيان المصريين "يا حبيبتي يا مصر"، ومشاركتها في أوبريت "وطني الأكبر"، فكانت محبة لوطنها حتى النخاع.

تُوفيت شادية وستظل خالدة بين جمهورها الذي ظل بمثابة المحب المخلص لحبيبته رغم الفراق والبعد، حيث اعتزلت وهي في عمر الخمسين عام 1986، ولم تطل على جمهورها سوى على مضض بعد سنوات اعتزالها الأولى، وبعد ارتدائها الحجاب ظهرت في إحدى الندوات مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، والمفكر الدكتور مصطفى محمود، وتحدثت عن كيف أنها أصبحت أكثر راحة بعد الاعتزال، وأنها حتى وهي تمثل كانت متدينة، وهذا يعود كما قالت إلى أسرتها التي كانت تتمسك بالصلاة والصوم. وكانت شادية تبرر عدم رغبتها في إجراء أي لقاءات صحافية أو تلفزيونية بأنها لا تحبهما، فهي على حد تعبيرها إنسانة لا تجيد سوى أن تمثل فقط.

 العقل في إجازة

بدأ حب التمثيل لديها وهي في الثامنة من عمرها، حيث كانت تقلد الفنانات أمام أسرتها وبينها وبين نفسها في المرآة بعد مشاهدة أي عمل، وكانت تحب تقليد الفنانة التي تمثل وتغني بشكل خاص، مثل ليلى مراد، ولكن الحياة الفنية الحقيقية بدأتها في عمر 15 عاماً، وقدمت أول أعمالها عام 1947 من خلال فيلم "العقل في إجازة" وهو أول تجربة لها وفي نفس الوقت أول تجربة إخراجية لحلمي رفلة، وأول إنتاج لمحمد فوزي، لذا كان لهذا العمل بشكل خاص نكهة خاصة لهم جميعاً. ورفضت شادية ارتداء المايوه في هذا العمل بناء على طلب المخرج، وكاد أن يحدث خلاف بينهما، لكن تم تداركه لإيمانه بموهبة هذه المراهقة الصغيرة.

وعلى الرغم من أن شادية لها شقيقة تدعى "عفاف شاكر" سبقتها إلى عالم الفن إلا أنها لم تحقق أي شهرة وتركت الفن وسافرت إلى الكويت بعد زواجها من أحد الأطباء، وأنجبت وانشغلت بحياتها الأسرية وتفرغت لها.


حكاية اسم "شادية"

فاطمة كمال شاكر هو اسم شادية الحقيقي، لكن أسرتها لم تكن تناديها كثيراً بهذا الاسم، وكانت تفضل عليه مناداتها باسم الدلع "فتوش"، وحكت شادية في لقاء نادر لها قصة هذا الاسم، قائلة إن والدتها تركية ومن المعروف لدى الأتراك أن اسمي "فاطمة ومحمد" بشكل خاص لا ينطقان مثلما هما بل يقال على فاطمة "فتوش" ومحمد "ماميت"، خوفاً من أن الأم التي لديها طفلان بهذا الاسم أن تغضب منهما وتسبهما مثلاً، فلا يجوز أن تسب شخصين يحملان اسم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، لذا كانوا يستبدلون نطق هذين الاسمين احتراماً لقدسيتهما.

أما اسم "شادية" فهي التي اختارته بنفسها لها بعد أن كانت تريد أن يطلق عليها اسم "هدى"، وهو للعلم الاسم الذي قامت بالتوقيع به على أول أفلامها لكنها غيرته بالمصادفة بعدما ذهبت إلى "سبوع" إحدى صديقاتها فوجدت أن المولودة الجديدة اسمها شادية، فاقترحت صديقتها عليها أنه سيكون أفضل من هدى، وبالفعل ومنذ هذا التوقيت اتخذت شادية منه اسماً فنياً لها.

أما لقب دلوعة الشاشة المصرية فاكتسبته شادية من أحد الصحافيين حيث كتب هذا اللقب كعنوان لحوار صحافي معها ومنذ هذا التوقيت عرفت به.

قدمت الفنانة الراحلة 112 فيلماً عبر 40 سنة و10 مسلسلات إذاعية، ولم يكن لها لون واحد؛ حيث قدمت الكوميدي والاجتماعي والرومانسي، وغنت في معظمها، إلا أنها في بعض الأفلام مثل "اللص والكلاب" و"ميرامار" وكلاهما عن قصتين للأديب العالمي نجيب محفوظ، وغيرهما مثل "المرأة المجهولة" لم تغنِّ ولو أغنية واحدة، وعلقت شادية على ذلك بأنها تحدت توقعات المقربين منها بالفشل في حال لم تغنِّ بأفلامها حتى تثبت لهم أنها وإن كانت قد خاضت التمثيل فهو بسبب حبها له وليس لرغبتها في أن تكون مطربة من خلاله، وبالفعل نجحت في ما غامرت به.

توقفت شادية عن الغناء لحوالى أربع سنوات وركزت على التمثيل فقط وذلك لعدم رغبتها في الغناء بكلمات متكررة استهلاكية، حتى جاء لها الموسيقار بليغ حمدي بلحن أغنية "يا أسمر اللون" ووافقت على غنائها وكانت عودتها للغناء من خلالها.


زيجاتها الثلاث

خاضت تجربة الزواج ثلاث مرات، أولها كانت من الفنان عماد حمدي وكان يكبرها بما يزيد عن الـ 25 عاماً، وقدمت معه بعض الأعمال منها "ارحم حبي" و"مشغول بغيري" و"شاطئ الذكريات" وغيرها، ثم تزوجت من المهندس الإذاعي، عزيز فتحي، ثم تزوجت زيجتها الأخيرة من الفنان صلاح ذو الفقار، الذي شاركته في بعض الأفلام منها "أغلى من حياتي" و"كرامة زوجتي" و"مراتي مدير عام"، وانفصلت عنه عام 1969 ولم ترزق شادية بأي من الأطفال. ورغم أنها لم تتذوق طعم الأمومة إلا أنها كانت تقول إنها لا تشعر بأي أزمة كونها تعتبر أبناء شقيقاتها بمثابة أبناء لها، كما سبق وغنت أغنيتها "ست الحبايب" التي غنتها في فيلم "المرأة المجهولة" عام 1959 بكل إحساس ولا تزال تعرض وتذاع حتى الآن ويرددها جمهورها.

قصة حب فاشلة

لشادية قصة حب قوية مع المطرب فريد الأطرش بدأت شرارتها الأولى في فيلمهما الأول معا "ودعت حبك" للمخرج يوسف شاهين ومن إنتاج الأطرش، ثم قدما معاً فيلماً آخر وهو "أنت حبيبي" وكانت قصة حبهما مادة خصبة للصحافة والإعلام وقتها، لكنهما التزما الصمت حفاظاً على عدم المساس بحريتهما الشخصية.
سافر فريد إلى فرنسا لإجراء فحوصات طبية ووعدها بالزواج بعد عودته على أن يتغير للأفضل ولا يلتفت إلى السهرات التي يحرص عليها. ولكن لم يتغير ففضّلت شادية إنهاء الارتباط، وكانا يسكنان في بناية واحدة، ولكن بعد فشل قصة حبهما باعت شادية شقتها لتسدل الستار على هذه القصة، التي لم يشأ لها الله أن تكلل بالنجاح، وبعد سنوات جفاء بينهما عادت شادية لفريد بوساطة من صديقة مقربة منهما لكن العودة كانت من بوابة الصداقة وليس الحب.


ريا وسكينة وخلافات في الكواليس

لم تقدم الفنانة شادية طيلة مسيرتها الفنية سوى عرض مسرحي واحد هو "ريا وسكينة" عام 1983، وقدمته أمام كل من الفنانين سهير البابلي وعبد المنعم مدبولي وأحمد بدير، وجاء هذا الأخير بديلاً للفنان حمدي أحمد الذي لم يقدم العرض سوى ثمانية شهور فقط، وتراشق بالألفاظ مع شادية التي تعاملت طبقاً لما قاله في حوار صحافي له معه بتعالٍ شديد، كما حدث أيضاً خلاف بينه وبين عبد المنعم مدبولي، لأن هذا الأخير قال أحد الإيفيهات ولم يضحك حمدي أحمد، ولما سأله عن سبب عدم ضحكه فقال له: لم تقل شيئاً يُضحك فما قلته يقرف".

فغضب الفنان الكبير ولامه بشدة، ولم يتطلع حمدي للاستمرار في العرض بعد هذه الأجواء غير المريحة، فجاء بديلاً عنه الفنان حسين الشربيني الذي لم يكمل العرض حتى كان الختام مع أحمد بدير، ورغم كل ما كان يدور في الكواليس من أزمات إلا أن هذا العرض حقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وقدمت شادية فيه عدداً من الأغاني والعروض التي لاقت إعجاب الجمهور، ولم يملّ منها الجمهور حتى مع تكرار إعادتها على شاشات التلفزيون، خاصة في الأعياد لما تحمله من بهجة.


تخاف من الشاشة الصغيرة

على الرغم من موهبة شادية التمثيلية وأن الجمهور كان يرغب ويدعوها أن تطل عليهم في بيوتهم من خلال بعض الأعمال التلفزيونية، إلا أنها كانت ترفض خوض التجربة، وبررت عدم خوضها بأنها كانت تريد دخول بيت المشاهدين برواية جيدة يشاهدها الطفل والشاب والعجوز لكن لم تجد ما يجذبها ويحقق رغبتها.

علاقاتها برموز المجتمع

كانت الفنانة الراحلة ترتبط بعلاقات صداقة قوية مع عدد من رموز مصرية قديرة، مثل الكاتب الصحافي مصطفى أمين، وكامل الشناوي، وكمال الملاخ، وأنيس منصور، وأحمد رجب، وموسى صبري، ومن الفنانين محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ.

وأكسبها صداقتها بهذه الرموز وعياً بضرورة انتقاء أعمالها، حيث كانوا ينصحونها بذلك وانتقلت من أدوار الفتاة المدللة إلى شخصيات أكثر عمقاً، خاصة أن مصطفى أمين كان دائم النصح لها بذلك، بحسب ما ذكرته في بعض لقاءاتها الإذاعية، وذكره مصطفى أمين نفسه، ونقله كتاب "مصطفى أمين.. فكرة لا تموت" لمحمد مصطفى.

ورغم انتشار شائعة تفيد بزواج عرفي بين شادية ومصطفى أمين إلا أنها لم تبال، وبعد تعرضه للسجن في قضية التجسس على جمال عبد الناصر زارته شادية في محبسه، رغم أن الأمر كان كفيلاً بإيذائها، خاصة أن القضية التي كان متهما فيها أمين كانت شديدة الحساسية.


العندليب والدلوعة

قدمت دلوعة السينما العربية مع الفنان الراحل عبد الحليم حافظ ثلاثة أفلام وهي "لحن الوفاء" و"دليلة" و"معبودة الجماهير"، وكانت هي الصوت النسائي الوحيد الذي غنّى مع عبد الحليم دويتوهات عديدة مثل "تعالي أقولك" و"حاجة غريبة" و"إحنا كنا فين" و"اختار خيالي" وغيرها.
وتعود تفاصيل اللقاء الأول لهما، طبقاً لرواية شادية في إحدى لقاءاتها، إلى أنها في البداية سمعت صوته في الراديو، ووجدت صوتاً جميلاً، لوناً لم تسمعه من قبل، "ويتماشى مع أيامنا وحياتنا وسننا، في ذلك الوقت، فسألت عنه وتخيلته رجلاً طويلاً عريضاً وشاباً ضخماً بسبب رخامة صوته"، وبالصدفة سألت عنه كمال الطويل ووعدها بأنه سيدعوه لإحدى بروفاتها، وما إن شاهدته حتى صدمت إذ وجدته شاباً نحيفاً، على عكس الصورة التي رسمتها، وعلقت قائلة: "استغربت أن الجسم الصغير ده يطلع الصوت ده"، ووصفته كممثل بأنه رائع، وكانت تحب التمثيل أمامه لشعورها بأن حليم يقول حوار الفيلم بكل صدق وحب، وكان حليم يصفها بأنها "أحب الأصوات إلى قلبه".​



دلالات

المساهمون