هل أصبحت منبج "معبودة الجماهير"؟

هل أصبحت منبج "معبودة الجماهير"؟

17 مارس 2017
+ الخط -
منبج المدينةُ القابعةُ في الشمال السوري، كانت قبل سنوات قليلة منسيةً أو شبه منسية، لتصبح فجأةً "معبودة الجماهير"، فالمشهدُ السوريّ أصبحَ يتعقّدُ أكثر فأكثر، مع كثرة اللّاعبين الإقليميين والدوليين في محيط المدينة أو داخلها. فمن قواتٍ تركية تدعمُ الجيش الحر في عملية درع الفرات، والتي حطّت رحالها في مدينةِ جرابلس، وواصلت زحفها إلى مدينة الباب، ثم وجهت أنظارها صوب منبج، "هدفا استرتيجيا لها للدخول في معركة الرقة"، إلى قواتٍ روسية ما كانت تبرح مكانها في الساحلِ السّوريّ، إلّا بعد قرارات مفاجئة بالتوّجه نحو حلب، وانتزاعها من المعارضة المسلحة، لتدعم الجيش السوري والمليشيات المساندة له، مثل حزب الله وغيره الذي امتدّت رقعةُ سيطرته، فدخل مدينة تادف المتاخمة لمدينة الباب والمشارفة على حدود مدينة منبج.
أمّا القوة الأخرى، فهي قوات سورية الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري، وهي مدعومة من التحالف الدولي ضد الإرهاب، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وقد سيطرت هذه القوات على منبج، بعد إخراج تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من المدينة، وشكلت مجلس منبج العسكري، ليدير شؤون المدينة، وعلى الرغم من أنّ كل هؤلاء الأفرقاء يدّعون محاربة الإرهاب، المتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية في الرقة، إلا أنّ المطامع والأهداف غير المعلنة بدأت تطفو على السطح شيئاّ فشيئاّ، فتركيا التي دخلت جرابلس، وقرّرت المشاركة في معركة الرقة، تطالب بكلّ وضوح بإخراج الأكراد من منبج، كون المدينة تقع "ضمن المنطقة الآمنة التي ترغب أنقرة بإنشائها"، وبذلك تمنع أيّ اتصال جغرافي بين مناطق سيطرة الأكراد في شرق الفرات وغربه، لمنع قيام أي "كيان كردي" في الشمال السوري، وتشترط أنقرة على الولايات المتحدة إبعاد الأكراد من عملية تحرير الرقة، وذهبت أكثر من ذلك، حين أكّد مسؤولون أتراك أنّ القوات التركية سوف تقصف المقاتلين الأكراد الموجودين في منبج، ما لم ينسحبوا من المدينة. وهنا، بدأت الاصطفافات تتضح أكثر، ففي خطوة مفاجئة، أعلن مجلس منبج العسكري تسليم بعض القرى في ريف منبج الغربي، والمتاخم لحدود مدينة الباب، إلى قوات حرس الحدود التابع للجيش السوري، بالتنسيق مع روسيا، لتشكل هذه القوات حاجزاً بين قوات درع الفرات المدعومة تركياً وقوات سورية الديمقراطية المدعومة أميركياً. لكن المفاجأة الأكبر بالنسبة لتركيا كانت في إعلان البنتاغون نشر قوات أميركية على الأرض في منبج، كونها "مدينة محرّرة، ولا داعي لأحد التوّجه إليها"، لتصبح مدينة منبج بين ليلة وضحاها تحت الحماية الدولية.
ويبدو أنّ هذه الخطوة الأميركية كانت ممنهجة، بل وأيضاً متكاملة، فهي جزءٌ من خطة شاملة، لمحاربة "داعش" في الرقة أعدّها البنتاغون للبيت الأبيض، وقد سرّب الإعلام الأميركي بعض النقاط في الخطة، منها زيادة عديد القوات الأميركية على الأرض، والاعتماد على "الحلفاء المحليين"، ويُقصد بهم القوات الكردية، والتي أعلنت، في وقت سابق، أنّها تلّقت دعماً أميركياً عبر استلام مصفحات عسكرية، وأسلحة متنوعة. وبهذا المشهد المعقّد، وبوجود كلّ اللّاعبين الفاعلين في الصراع السوري على مشارف مدينة منبج، أصبح في وسعنا القول إنّ مدينة منبج ربّما ستحدّد بشكل أكثر وضوحاً دور كلّ من هذه القوى في معركة الرقة، وبالتالي، في المعادلة السورية عموماً. وقد أكّد رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، أن "مدينة منبج مفتاح الحل في الأزمة السورية"، ولعلّ التوجه الأميركي بالإعتماد على الأكراد أغضب الأوساط التركية، خصوصا وأنّ شريحة لا بأس بها من الشعب التركي ترى أنّ سياسة أردوغان فشلت بإقناع الحلفاء إبعاد الأكراد من معركة الرقة، فقفزات أردوغان البهلوانية، واستداراته المفاجأة، جعلت تركيا أمام خيارين لا ثالث لهما، الأوّل التوجه إلى منبج وإخراج الأكراد بالقوة، وهذا مستبعد لوجود الجيش السوري في خط التماس مع قوات درع الفرات، وأيضاً الوجود الأميركي داخل المدينة.
والثاني، فتح قنوات حوار مع أكراد سورية، وهذا ما ذهبت إليه حتى بعض الصحف التركية، وبحسب كلّ المعطيات، فإنّ التوتر بين تركيا والأكراد ينتظر مزيداً من الوقت، حتى يظهر دورٌ أميركي واضح من الطرفين، وقد يكون هذا الدور تقاربياً وإقناعاً لتركيا بقبول الأمر الواقع بوجود حكم ذاتي للأكراد، في شرق الفرات مع امتيازات اقتصادية لتركيا في الشمال السوري بأكمله.
EF66A84C-567A-4A9A-8CF8-443470F5D5A1
EF66A84C-567A-4A9A-8CF8-443470F5D5A1
عماد فوزي اسماعيل (سورية)
عماد فوزي اسماعيل (سورية)