وتسألون عن فائض القوة الإيراني

وتسألون عن فائض القوة الإيراني

11 سبتمبر 2014

حقل بارس للغاز جنوب إيران (22يناير/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

ما عادت هناك حاجة إلى اللجوء لمقولات من قبيل "خصوصية" هذا النموذج أو "تفرده"، لفهم السلوك السياسي الإيراني، بل باتت الجمهورية الإسلامية، اليوم، خاضعةً، في سلوكها، لنظرية الواقعية الكلاسيكية، خصوصاً فيما يتعلق بالأهداف، فالبحث عن القوة والأمن هدف كل الدول، والبحث عن القوة، خصوصاً، هو المحرك الأساسي لسلوك الدولة الإيرانية هذه الأيام، وما تقوم به طهران، لا سيّما في العقد الأخير، هو زيادة قوتها بالتزامن مع إيجاد آليات لإضعاف الخصوم.

لذلك، يأتي مجمل الأداء السياسي الإيراني في إطار جمع عناصر القوة ومضاعفتها، ومن منظار القوة نفسه، يجري النظر إلى الدول المنافسة. ويمكن أن نضيف الواقعية الجديدة لفهم السلوك السياسي الإيراني، فسبب كل الصراعات يعود إلى القوة، حيث تمثل الفوضى في النظام الدولي الضوء الأخضر للدول الطامحة في الحصول على زيادة في القوة، ما يخلق جواً من التهديد. ويلتقي ذلك، أيضاً، مع ما يمكن أن نسميه المصلحة الذاتية للدولة الإيرانية التي قد تصاغ بخطابةٍ عالية، وتستثمر المخزون الديني الشيعي، وإن كانت خاضعةً أحياناً لـ"القانون الطبيعي"، وأحياناً كثيرة أخرى، للمقولات العلمانية المحضة. ويأتي سؤال، هنا، ما إذا كانت السياسة الإيرانية، في سعيها إلى القوة، ومزيد من القوة، تتحرك من فراغ؟ الجواب هو النفي، فالمسار السياسي الإيراني، اليوم، يأتي مدعوما بمعطياتٍ كثيرة، تدعم سعي الجارة الطموحة وترسخه. ومن الناحية الديموغرافية والثقافية، لدى إيران كثير مما تتفوق فيه على جيرانها العرب.

يبلغ تعدد سكان المنطقة التي تقع فيها إيران، بالنظر إلى الطرف الشمالي والجيران في الشرق والغرب والجنوب، 500 مليون، وتمتد المنطقة التي يسكنون فيها من الناحية الجغرافية على منطقة الخليج وآسيا الوسطى وجنوب غرب آسيا. وسيصل عدد سكان العالم في العام 2020 إلى ثمانية مليارات، يتركز معظمهم في هذه المنطقة، وهي، علاوة على أنها مركز ثقل إنساني، تعد مهداً للحضارات التي شهدتها الإنسانية. ومازال هذا الموقع يوفر لها فرصة كبيرة للتأثير، خصوصاً وأنها تعد جسراً للتواصل بين بحر الخزر والخليج وبحر عمان، ولديها إمكانية المساهمة في تنمية المواصلات بين شبه القارة الهندية وباكستان وأفغانستان عن طريق إيران- العراق- وتركيا. وهذه الميزات لإيران نصيب كبير منها.

ويعزز من مكانة هذه المنطقة موقعها في العالم الإسلامي، حيث من المتوقع أن يصل تعداد سكانه في العام 2020 إلى 650 مليون إنسان. أما إيران، فالمتوقع أن يصل تعداد سكانها عام 2020 إلى 100 مليون إنسان.

وهناك عوامل اجتماعية تؤثر في قدرة المجتمع الإيراني على أن يكون رافعةً مهمة في السعي الإيراني إلى دور أكثر تأثيراً في المنطقة، ففي بداية الثورة عام 1980، كان هناك 175.000 طالب فقط و15.000 أستاذ محاضر ينتشرون في حوالي 20 مدينة في إيران، وفي عام 2012 كان هناك أربعة ملايين من طلبة التعليم العالي، وأكثر من 110.000 محاضر في 120 مدينة، وفي عام 2010 جاءت إيران في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة في مرتبة أعلى من البرازيل وتركيا، وفقا لأبحاث محكّمة ورصينة. وطبقًا للجمعية الملكية البريطانية، زاد عدد المنشورات العلمية في إيران من 736 في عام 1996 إلى 13،238 في 2008، وهو أسرع نمو مماثل في العالم. وارتفع عدد مستخدمي الإنترنت بمقدار 13.000٪، وقد جعلتني هذه النسبة تحديداً غير مصدقة، لأراجعها في أكثر من مصدر، وأجدها صحيحة. وفي عام 2012، أعلنت إيران أنها ستنشئ مركز تكنولوجيا النانو، وتخصص 4٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبحث والتطوير، جزءاً من خطة علمية شاملة، وهو من أعلى مخصصات البحوث في العالم. وفي إيران أيضا، وعلى الرغم من كل ما يقال عن التضييق على النساء، وتبعات مصادرة الحريات الشخصية، فإن النساء هن الأكثر تعليماً، حيث تصل النسبة إلى نحو 70% من مقاعد الجامعات. خاضت إيران والعراق حرباً مدمرة، خرجت كل دولة منهما بعدد كبير من القتلى والمعاقين.

لكن، لنقف برهةً، ونقارن ما وصل إليه الحال في كل دولة؟ وهل كان العرب مساهمين في تسليم العراق لقمة سائغة لإيران؟ الجواب نعم. وعلى المقياس نفسه، هل سيكون الدور العربي في اليمن مماثلا، لتصب النتيجة، في النهاية، في سلة المصالح الإيرانية؟

في كتابه الجديد، "الأمن القومي والنظام الاقتصادي الإيراني"، ينظر الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بكفاءة عالية لا تجدها عند أي زعيم عربي، إلى مستقبل بلاده اقتصادياً، وترى في الكتاب خططاً طموحةً لتكون إيران معبراً مهماً لخطوط المواصلات الدولية، بين آسيا وأوروبا، وهناك طرح للاستغناء عن قناة السويس، مع تفصيلٍ في المنافع المتحققة.

وفي السنوات الأخيرة، بذلت إيران جهوداً كبيرة، لتحديث شبكة مواصلاتها الداخلية التي تربط شمالها بجنوبها وشرقها بغربها. في هذا المحيط، وعلى الرغم من مشكلات المجتمع الإيراني الكثيرة، لنا أن نتخيل مستقبل القوة والهيمنة الإيرانية في المنطقة، مقارنة بجيرانها. فهذا المحيط العربي، وللأسف الشديد، لا يملك خطاباً سياسياً صلباً، وقد قدمت الحالة اليمنية نموذجاً لحالة غياب الأفق الاستراتيجي في التخطيط السياسي. وعلى الصعيد الاجتماعي، تقف مجتمعاته، اليوم، مترددة وخائفة، على عتبات العلم والتغيير والتعليم، ويرى بعضها في قيادة المرأة السيارة منبعا للفساد. ومازلتم تسألون عن فائض القوة الإيراني.

D33FFFA6-99D5-41B4-8A40-51AF778ACB34
فاطمة الصمادي

باحثة مختصة بالشأن الإيراني في مركز الجزيرة للدراسات، حاصلة على الدكتوراه من إيران عن رسالتها حول المضامين النسوية في سينما المرأة الإيرانية. لديها كتب وأبحاث من أبرزها "التيارات السياسية في إيران".