هل يحاول النظام المصري قتل أسامة مرسي؟

هل يحاول النظام المصري قتل أسامة مرسي؟

22 مارس 2020
+ الخط -
كانت آخر وصية حملها عبد الله، النجل الأصغر للرئيس المصري الراحل محمد مرسي، لمحامين حقوقيين، ألا يتوقفوا عن التنديد بظروف احتجاز أخيه أسامة، والانتهاكات التي يتعرض لها؛ وكان عبد الله ذو الـ25 عاماً قد توفي إثر أزمة قلبية مفاجئة؛ وقد عبّرت أسرة الرئيس مرسي عن شكوكها على لسان توبي كادمن، رئيس فريقها القانوني الذي قال: "نعتقد أن الرئيس مرسي ونجله الأصغر قتلا على يد النظام العسكري المصري".

أسامة محمد مرسي هو النجل الثالث للرئيس الراحل محمد مرسي، تخرج في كلية الحقوق، وزاول مهنة المحاماة عبر مكتبه الخاص، وكان ضمن فريق الدفاع عن والده، ومتحدث أسرته الرسمي.

أسامة ليس عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، ولا حزب الحرية والعدالة، يعمل في مجال الأبحاث السياسية، لكنه لا يهوى العمل في السياسة، تم القبض عليه من منزله بالشرقية في ديسمبر/ كانون الأول 2016 وتم ضمه إلى قضية تنظيم اعتصام رابعة، واتهم بحيازة سكين مطبخ؛ وتم نقله عبر مقار احتجاز مختلفة حتى أودع في سجن العقرب شديد الحراسة.

في 12 أغسطس/ آب 2017، ظهر أسامة حاملاً طفله لأول مرة ومحدثاً زوجته، تحيط به حراسة مشددة في قاعة محكمة، يشكو للقاضي أنه ممنوع من الزيارة ومن استكمال دراساته العليا، وأنه معزول عن باقي المعتقلين لمدة تزيد عن تسعة شهور، وغير مسموح له بصلاة الجمعة معهم. طالب أسامة بتمكينه من حقوقه، وشكا من تجاهل النيابة العامة تصرف موظف تنفيذي مزق تصاريح زيارة أهله له بالسجن، وقال إن مصلحة السجون تتعسف في حقوق المعتقلين، وتعذبه عن عمد بمنع العلاج والزيارة.


في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 رفض أسامة إدانته، مدافعاً أن حبسه إنما هو على ذمة قضية سياسية، وحمّل المحكمة مسؤولية انتهاك حقوقه التي لم تلتفت إليها في الجلسة السابقة، وطالب بتوكيل محامٍ له.

في 27 يناير/ كانون الثاني 2018 ندّد أسامة بعزله ورفاقه خلف حاجز زجاجي في قفصه، وبأن هيئة المحكمة لا تراه ولا يستطيع هو أن يرى ممثلي النيابة ولا هيئة دفاعه، وبأنه حتى لم يقرأ قرار إحالته للتحقيق، ولم يزره محاميه، فضلاً عن أسرته، واستنكر أن تفصله مسافة 2 متر عن زوجته في الزيارة خارج القاعة بحيث يضطران إلى الصياح ليسمع كل منهما الآخر.

في 10 مارس/ آذار 2020 صرّح توبي كادمن بدخول أسامة في إضراب عن الطعام، معرباً عن قلقه البالغ بشأن السلامة الجسدية له، إذ لا يزال محتجزاً في ظروف متردية تنتهك المعايير المعترف بها دولياً، وطالب كادمن السلطات المصرية بالالتزام بالقانون الدولي، مشيراً إلى أن أسامة يواجه مخاطر القتل البطيء التي واجهها والده قبل وفاته في 17 يونيو/ حزيران 2020، وكانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان ببريطانيا قد صرّحت بأن أسامة تم منعه وبقية المعتقلين من التريض، كما يجرى احتجازه في زنزانة انفرادية، وهو محروم من التواصل مع أسرته أو محاميه بأية صورة.

لتوضيح لماذا قد يناصب النظام العسكري في مصر أسامة العداء، أذكر بعض مواقفه المناهضة للانقلاب؛ فقد ظهر أثناء الجولة الثانية لانتخاب والده مؤيّداً للثورة، ومهاجماً بشدة نظام مبارك، ثم في 6 أغسطس/ آب 2013، تحدّث عن اعتقال والده بعد الانقلاب الذي وصفه بالشراسة والحمق، وكشف عن كواليس ليلة الانقلاب، ووصف المنقلب ومعاونيه بالخونة والمجرمين، وحمد الله أنه لم يولد لأب كالسيسي، وصرّح بأن أسرته كلها شاركت في ثورة يناير فاعتقل والده فجر جمعة الغضب، واختطف أخوه الأصغر عبد الله على يد بلطجية، واختطفته هو المخابرات الحربية، كما أوضح أن والده قرأ مشهد الانقلاب باكراً جداً؛ وفي 30 يوليو/ تموز 2013 أكد أنه لا يوجد أي مسار دستوري ولا قانوني واضح لأي إجراء، فالرئيس والسياسيون مختطفون، والمتظاهرون السلميون يقتلون، والمعتقلون يعذبون خارج إطار القانون وميثاق حقوق الإنسان، وأعلن أن النائب العام يرفض قبول بلاغات ضد وزير الدفاع، وعندما سئل عن رسالته إلى الثوار، سأل الله انتفاضة ثورية جديدة؛ وفي 15 مايو/ أيار 2015 اتهم النظام المصري بقتل فريد إسماعيل القيادي بجماعة الإخوان بالإهمال الطبي في سجن العقرب سيئ السمعة، فتحولت جنازة الرجل إلى مظاهرة ضد النظام العسكري.

لا يفوتنا في هذا الموضع أن نعقد مقارنة سريعة بين مشهدي قاعتي محاكمة أسامة وولدي المخلوع مبارك؛ فقاعة أسامة تبدو مزدحمة غير واضحة الصوت والصورة، بالكاد يرى المشاهد رأس أسامة وجاهداً يحاول أن يفهم كلماته، أما علاء وجمال فقبل تبرئتهما، كانا يدخلان قاعة منظمة هادئة، مضاءة بكشافات قوية، في حراسة لا تختلف عن حراساتهم الشخصية أثناء كان والدهما في الحكم، يستقبلهما القاضي بوجه بشوش وكلمات رقيقة، مطالباً الحراسة ألا تقيد حركتهما، وثبتت ميكروفونات صغيرة على ملابسهما، ووضعت على منصتهما ميكروفونات أخرى حديثة خلافاً لميكروفون قديم الطراز يحمله ابن مرسي بيده.

يستأذن علاء، ابن مبارك الأكبر، أن يبقى والده في قفصه، إذ لن يستطيع أن يمثل أمام القاضي بسبب حالته الصحية، فيرد القاضي بأن الأمن يمكن أن يوفر مكاناً آخر للمحاكمة يسمح بنقل سرير مبارك الطبي، ثم يوافق ويستدعي مدير المحطة التليفزيونية الناقلة للمحاكمة ويسأله عن إمكانية توفير كاميرا داخل القفص تنقل صوتاً وصورة كاملة، واضحة، غير ضبابية، ثم يبتسم مداعباً الولدين، ويستأذنهما ليعودا إلى قفصهما.

وفي النهاية نتساءل، ترى هل سيسكت العالم حتى نستيقظ على خبر وفاة أسامة كما حدث مع والده وأخيه؟
7048540C-B765-4399-A999-CB7869F215E2
رانيا مصطفى
باحثة مهتمة بالتاريخ والسياسة والأدب والعلوم الإنسانية. تقول: كل فكرة فى مقال ماهى إلا رسالة فى زجاجة ملقاة فى بحر تتقاذفها أمواج الأيام حتى تصل إلى من يهمه الأمر