هل سيعتذر القنيبي لـ"الدحيح"؟

هل سيعتذر القنيبي لـ"الدحيح"؟

27 يوليو 2019

إياد القنيبي وأحمد الغندور المعروف باسم "الدحيح"

+ الخط -
"لا بد أن يرفض المجاهدون دعاوى القبول بدولة ديمقراطية، بزعم أنها أفضل من البقاء تحت ظلم النصيرية، ولن نتحمّل منهم أي تخليط في فقه المصلحة والمفسدة ذريعة لذلك".. بهذه العبارات القاطعة تحدث المُنظر الجهادي، إياد القنيبي، عام 2014، في سياق مناقشته "مبادرة الأمة" التي طُرحت وقتها محاولة لرأب الخلافات بين الفصائل السورية.
القنيبي الذي طالما تحدث عن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مترفقاً ومهادناً، حتى وهو ينتقد إيغالهم في دماء المسلمين، والذي طالما أيضاً رفض قتالهم، سواء على يد الفصائل السورية، أو على يد التحالف الدولي الذي اعتبر قصفه ضد "داعش" حرباً على الإسلام، كرر مراراً مواقفه الحادة ضد الفصائل السورية الداعمة للديمقراطية، والعياذ بالله. قال بحسم إن "هيئة الأركان والائتلاف ومن يقاتل تحت مظلتهما معادون للمجاهدين، ولمشروع تحكيم الشريعة. ونزيد أن قبول بعض هؤلاء بمبادرة التحكيم لا يعني أبدا أمن جانبهم، ولا حسن الظن فيهم"، بل إن رفضه يمتد ضد الفصائل الإسلامية التي تقبل بالدولة الوطنية، كما فعل في انتقاده مشروع الجبهة الإٍسلامية في 2013، أو لاحقاً في كلمته "مفهوم الاصطفاف السني"، حين هاجم مبادرة "واعتصموا" التي شملت تحالفاً عسكرياً بين فصائل إسلامية وفصائل من الجيش السوري الحر، حيث رفض القنيبي الاصطفاف مع "من يقاتلون نيابة عن النظام الدولي والدول الوظيفية".
من هذا العالم البعيد، أتى القنيبي، ليتظاهر بالبراءة والحياد، وهو يرتدي قناع رجل العلم الذي يتحدّث بالمصادر الأجنبية، ليرد على الشاب المصري، أحمد الغندور، يقدّم محتوى علمياً مبسّطاً بطريقة كوميدية، مدّعياً أن الدحيح (شهرة الغندور) "يتعمّد دسّ الدعوة إلى الإلحاد في حلقاته، وهو بهذا أخطر من الملحدين الصرحاء". وبعيداً عن نقاش الردود العلمية على طرح القنيبي ضد نظرية التطور، أو على الأقل استخدامه مصادر تخدم توجهه فقط، وهو ما ينتقد "الدحيح" لأجله، فإن الظاهرة الأكثر تعاسة هي جحافل "أولتراس" الإسلاميين، وقد أغرقوا صفحات "الدحيح" بتعليقات معاديةٍ أو ساخرة "دكتور إياد القنيبي بيسلم عليك".
أغلب المعلقين شباب عاديون على هوامش التيار المحافظ، وبالتأكيد أغلبهم مؤيد للديمقراطية، أو مؤيد للرئيس الراحل محمد مرسي الذي طالما هاجمه القنيبي حياً، وأبدى تحفظاته عليه ميتاً، حتى أنه قال إنه يرفض صفة "الرئيس الشرعي"، لأن الشرعية ليس مصدرها الانتخابات، كما كرّر رفضه منهج السلمية الإخواني. ولا عجب وهو من كتب سابقاً في عهد مرسي يهاجم قبول الإخوان المسلمين "الدستور الشِركي"، ثم هاجم "حملة سيناء الغادرة التي قادها الرئيس"، وغيرها من الوقائع. ولكن "أولتراس" الشريعة لا يتوقفون لحظة للتفكير. بعد كل ما حدث في السنوات الأخيرة، ما زالوا يعيشون القوالب الجامدة نفسها، نحن المظلومية المطلقة والطهرانية المطلقة، ضد أعداء الدين الخبثاء الملاعين في المطلق، بينما يتم تجاهل أي تركيب بالصورة، حتى مظلومياتهم الداخلية، كتجاهل مقتل الإسلاميين رفاق المنهج على يد "داعش" وجبهة النُصرة.
مليون ونصف مشاهد لحلقة القنيبي، خرجت منهم كتلة صلبة تقود غزوات مواقع التواصل ضد "الدحيح"، الشيطان الجديد في الملحمة المستمرة. القنيبي وتياره ما زالا يمارسان ألعابهما الخطيرة، يوفران الخلفية النظرية، ويتجاهلان تطبيقها العملي. فإذا كان "الدحيح" ملحدا، فإن الخطوة التالية المحتملة أنه مستحق لـ "حد الردة"، وإذا حاول أحد المخلصين تطبيق حد الله، هل سيعتذر القنيبي؟ وهل هو، بكل خبراته مع أصدقائه "الجهاديين"، غافل عن دلالة ما يقول؟ القنيبي وأمثاله لم يعتذروا قط عن تورّط فتاواهم في سفك دماء بلا حصر، ولم يقرّوا أبداً بأن تجارب تيارهم السلفي الجهادي من أفغانستان إلى الصومال، ومن العراق وسورية إلى الجزائر، كانت دماراً وخراباً على المسلمين قبل غيرهم.
رجل مثل القنيبي كان أوْلى به أن يراجع دوره في الشأن السوري، وليسعه بيته ويبكِ على خطيئته، ولكنه يعيد إنتاج نفسه. ولماذا لا يفعل ما دام رصيد الأتباع لا ينفد، والعواطف لا تُستهلك، والدوائر لا تكف عن تكرار نفسها.