هل تلجأ الهند إلى حرب مع باكستان؟

هل تلجأ الهند إلى حرب مع باكستان؟

28 سبتمبر 2016
+ الخط -
بدأت عقارب الساعة تدور، أسرع مما كان يتوقعه رئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، وحاشيته من أمثال راجنات سينغ وأجيت دوفال وسوشما سواراج، في خطاباتهم وتصريحاتهم. وكان على مودي التحرّك ساعات في 18 من سبتمبر/ أيلول الجاري، بعد أن هاجم متشدّدون سرية للجيش الهندي، في بلدة أوري، شمال دولة جامو وكشمير المتنازع عليها. وجاء عدد القتلى، الذي بلغ 17، ثاني أعلى معدل منذ عام 2001. وقد لقي، في العام الجاري، أكثر من 69 من قوات الجيش حتفهم في ولاية جامو وكشمير المحتلة. وقد توعّد قادة الهند، وبنبرة عدائية، باكستان بشن تحرّك عسكري، بسبب دورها المزعوم في هذا الهجوم. وشنت المليشيات الإلكترونية الهندية المتشدّدة حملة غضب شعبي ضد باكستان، واستعانت بعديدين من ممثلي بوليوود، بغرض قرع الطبول والتشجيع على الحرب. وإذا كان للإعلام أي دورٍ للتأثير على الجموع، فإن الأمة الهندية لن تنتظر طويلاً من أجل الضغط على قيادتها، لاتخاذ إجراءات عقابية ضد جارتها الغربية.
يبقى السؤال المحوري، في هذا الصدد، متعلقا بالقيادة الهندية، والتي يمكن أن تشن حرباً من دون استشارة العقول الاستراتيجية، أو أصحاب الزي الأخضر، فمن اللازم على دلهي، المسلحة حتى النخاع، التخطيط الدقيق، قبل أي تحرك في الميدان، وتحديد قدرة العدو، وتدقيق أهدافها بتنسيق مع شبكة جواسيس وراء خطوط المعركة، وأخيرا شن حملة دبلوماسية قوية في العواصم المؤثرة.

وقد وصل الحد بالديمقراطية القمعية إلى الجنون، بحيث ضغطت على الأمة الهندية وجيشها، من أجل تحقيق أجندتها والاستجابة لأهوائها. ووفقا لصحيفة "إنديان إكسبريس"، تخيّل كبار قادة الجيش سيناريوهات واقعية وخطيرة، في وقتٍ كان عليهم فيه التخفيف من حدّة نبرتهم. أما منظمة المتطوعين شبه العسكرية (آر إس إس) وحلفاؤها فقد ذهبت إلى نقطة اللارجوع، مطالبةً بدعم شعبي، من أجل الاستخدام المباشر للأسلحة النووية ضد باكستان.
لا ينبغي أن يكون شن هجمات داخل باكستان، أو إطلاق تحرك عسكري باستخدام الجيش والقوات البحرية والجوية، مشكلة بالنسبة لثالث أكبر جيش في العالم، فمثل هذا الإجراء قد يضاعف الموافقة الشعبية على قرار حكومة نارندرا مودي من 22% إلى أعلى من ذلك بكثير. لكن القضية لن تبقى عالقةً عند هذا الحد، فقد تكون نتيجة مثل هذا التحرّك خرقاً لحدود خط المراقبة، والحدود الدولية، أو حتى انتهاكاً للمجال الجوي السيادي. ويبقى هذا كله متعلقاً بهدف الهند من هذا التحرك. هل هو فقط معاقبة الجناة المزعومين في هجوم أوري، أو معاقبة باكستان نفسها؟ أما السؤال الأساسي الآخر فمتعلق بقدرة الهند على استهداف الجناة بدقة، والقضاء عليهم في إطار زمني قصير وبأقل تكلفة.
وقد سبق أن اتهمت الهند سنة 2008 جماعاتٍ من باكستان بالتخطيط لهجمات بومباي وتنفيذها. والآن، نسمع التبجح نفسه في كلام القيادة الهندية، مع تطوير حدّة نبرة الكلام لتصل إلى حد التهديد، فقد كان من الممكن، في ذلك الوقت، اللجوء إلى جميع الخيارات، بما في ذلك الهجوم النووي، لكن خيار السقوط الديبلوماسي كان وارداً بشكل كبير، إذا ما لجأت الهند إلى ذلك. كان الشأن كذلك في رد فعل القيادة الهندية عند الهجوم على البرلمان الهندي سنة 2001، والذي اتُّهمت فيه وكالة الاستخبارات الباكستانية. وقد سبق في عملية باراكرام (البسالة) في العام 2001، أن حشدت قوات كبيرة من الجيش والمعدّات العسكرية على طول الحدود الدولية، لكن الهند حينها كانت تفتقر إلى الإرادة من أجل عبور الحدود الشرقية.
على الهند، إن أرادت شن غارات جوية على المسلحين، الذين يشتبه في تورّطهم في هجوم أوري (وهم بحسبها آزاد كشمير)، أن تجمع المعلومات الكافية، وأن تحدّد بدقة قواعدهم وأماكن اختبائهم الآمنة. وبغض النظر عما قد يواجه الطائرات المقاتلة الهندية في المجال الجوي الباكستاني، فعلى استراتيجيي دلهي حساب إمكانية تدمير عدد قليل من هذه الأماكن الخطيرة المزعومة، لتحقيق هدف القضاء عليها، وتفادي تضرّر قواتها في المنطقة المتنازع عليها فترة طويلة. وقد تحسّر جنرال هندي سابق على الوضع هناك في ندوة في الولايات المتحدة، في العام الجاري، بقوله "يبدو أن جميع معسكرات التدريب تشمل خياماً مؤقتة، تحت مظلةٍ سميكةٍ من الأشجار العالية. كما أنه لا توجد هناك بنيات دائمة للملاحقة".
وقد تخاطر الهند إذا ما اختارت شن حربٍ شاملة، بدلا من اللجوء إلى تحرّكات محدودة ومدروسة، أما خيارات استخدام طائرات هليكوبتر حربية، أو كوماندوز القفز الجوي الهندي، فقد تكون بمثابة اختيارات انتحارية.
ويرى الهنود في مدينة موريدكي في باكستان، التي تزعم الهند أن مقر جماعة الدعوة المحظورة فيها، هدفا مثالياً لغاراتٍ جوية. فهل دلهي مستعدة لضرب ما وراء آزاد كشمير؟ ولنترك جانبا احتمال نجاح هذه المطاردة الساخنة، ولنعتبر أن الرد على التحرّك في المجال الجوي لإسلام آباد قد يكون نوعا من ضبط النفس. ولكن، هناك القليل من الوضوح لمدى محدودية "حرب محدودة" من وجهة نظر إسلام آباد. فهل ستتعامل باكستان مع التحرّك العسكري الهندي في آزاد كشمير بوصفه محدوداً أو حرباً واسعة النطاق؟ ليس الخبراء الاستراتيجيون في الهند متأكدين من احتمالات الحرب المحدودة مع باكستان، وذلك منذ سنوات. ونظرا لوعدٍ كبير أطلقه مودي، فإن فرص التوغل مثل الذي وقع في الاشتباكات بين البلدين في كارجيل، في العام 1999، تكاد لا تذكر.
هناك كثير من الجموح في إطلاق الهند "خطة البداية الباردة"، والتي تنص على ضرباتٍ تقليدية متعددة ضد باكستان، وإيذائها بشكل كبير، حتى لا يتم اللجوء إلى أي انتقام نووي. وإلى جانب تعبئة موارد أخرى، بحيث تم نقل سريتين من الجيش (نحو 5000 جندي) من الجزء الجنوبي من كشمير المحتلة إلى خط المراقبة منذ هجوم أوري. وفي الوقت نفسه، تكون القوات الهندية المتخصصة على أهبة الاستعداد من أجل الانتشار إلى الأمام. ويتضمن الرد العسكري للهند على هجماتٍ موحدة، متعدّدة، وسريعة ضد الأهداف العسكرية التقليدية. وقد سبق لدلهي أن تدربت على المنوال نفسه في مايو/ أيار 2001 خلال عمليتي فيجاييي بهافا، وسودارشان شاكتي سنة 2011.

ولتفعيل فكرة "خطة البداية الباردة"، ستحتاج الهند إلى البدء في تشويه صورة باكستان، والتخويف منها بتنسيقٍ ناعم مع قوات داخلية، لكنها ستحتاج أيضاً إلى دعم دبلوماسي نشط من الولايات المتحدة وحلفائها. وبما أنه متحمسٌ للفكرة بشكل كبير، فقد أطلق مودي، بالفعل، حملة مسبقة لتشويه صورة باكستان وجعلها مركزاً خطيراً للإرهاب. وتهدف هذه المحاولة إلى حبس الدعم الدبلوماسي والمعنوي لباكستان من العواصم المؤثرة الأخرى.
تشويه صورة باكستان شيء تقوم به حكومة مودي بنشاط منذ مدة، وقبل وقوع حادث أوري، من أجل عزل باكستان إقليميا وعالميا. وكان الدعم العلني لمتشددي بلوتشستان في 13 أغسطس/ آب الماضي بمثابة إشارة شاملة إلى وجود الهند وحلفائها في باكستان. لكن عبارة "مركز خطير للإرهاب" التي تتكرّر كثيراً تعرضت للنقد مع الأيام، خصوصاً مع اعتراف دلهي بدعم أمثال براهام داغ بوغتي، وهو الإرهابي الذي يعيش في سويسرا.
كان رد باكستان، حتى الآن، واضحاً جدا، فإقلاع الطائرات المقاتلة وهبوطها من الطرق السريعة، وتعبئة الموارد الحيوية الأخرى العسكرية، وإطلاق حملة دبلوماسية على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة وأماكن أخرى كشفت عن الخطط الهندية لتحقيق "خطة البداية الباردة".
وعلى الرغم من اتفاقها على صفقة طائرات فرنسية (رافال)، تمت الموافقة عليها على عجل، إلا أن القوات الجوية الهندية تخلو، حالياً، من التفوق الجوي المطلوب على نظيرتها الباكستانية. والواضح أنه لا توجد خيارات "جيدة" متاحة لدلهي، لاسترضاء الهندوسيين المتطرفين، فقعقعة السيوف قد لا ترضي ناخبي مودي، كما أن توغله غير المثمر والمهين سوف يكلفه ثمناً باهظاً بكل ما للكلمة من معنى، ثم إن الهند، على الأرجح، ستواصل تمويل وكلائها في باكستان، مع تكثيف الهجوم الدبلوماسي نحو الهدف النهائي، ووصفه بأنه "مركز خطير للإرهاب".
وسواء كان هناك تفعيل لفكرة "خطة البداية الباردة" أم لا، فإن وضع الهند ليس مريحاً، بما يكفي من أجل شن حرب ضد باكستان.