نافذة مطبخ أم محمد... لوحة أم حقيقة؟

نافذة مطبخ أم محمد... لوحة أم حقيقة؟

17 مايو 2020
+ الخط -
لم تكن صورة نافذة مطبخ أم محمد التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي إلا حدثا يوميا اعتادت عليه في بيتها الملاصق للمسجد الأقصى، بدت تلك الصورة التي التقطتها أم محمد من هاتفها النقال كلوحة بديعة التصوير لأحد الفنانين المشهورين أو تجسيدا لتقنيات الصورة والمونتاج المخيفة التي وصلنا إليها في عصرنا الحالي، لكن نافذة مطبخ أم محمد لم تكن لوحة حائط البتة بل كانت حقيقة لا ريب فيه من قلب المسجد الأقصى المبارك.

دأبت أم محمد على مشاركة صور المسجد الأقصى على الدوام من خلال حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي لإيصال الحياة التي في المسجد، كواجب تحمله على عاتقها كما قالت بجهد شخصي خالص، بذلته بكل حب لنقل ما يحدث في مسجدنا المقدس، إذ إن ما دفعها لذلك كان رغبتها الكبيرة لري بعض العطش لدى جميع الأمة في النظر إليه دون كلل أو ملل وملء الأعين منه.

مطبخ أم محمد الضيق للغاية والذي لا تستبدله بمئة بيت كما روت في حديثها على قناة الجزيرة، أصبح حديث الإعلام في هذه الأيام، المكان المفضل لها لقضاء الوقت فيه داخل بيتها، نافذة أم محمد ليست مجرد نافذة بالنسبة لها، بل هي رباط من نوع لا نفهمه نحن، إنها تفعل ما تفعل لتقر عينها كحارس أمين عليه ضد كل من تسول له في المساس به.

لقد عبرت أم محمد القاطنة في هذا البيت منذ خمسة وثلاثين عاما والموروث عن أجدادها، بكلمات واثقة من دون تردد أو ما يدعو للشك والريبة، أن ما تفعله ببقائها في منزلها ونقلها للأحداث أولا بأول على وسائل التواصل الاجتماعي هو مجرد تعبير عن أضعف الإيمان لها.. فماذا نقول نحن يا ترى؟


هي تدرك أن مجرد المعيشة في ذاك البيت الصغير كفيل بحد ذاته أن يكون حاجزا أمام مشاريع تفريغ البلدة القديمة من أصحابها، وأنه رغم ما تتعرض له هي وأسرتها من قبل الاحتلال وجيشه وأمنه، الذي لا يتوانى عن ممارسة كل أنواع العذابات والاستفزازات المتكررة لثنيها عن البقاء في البيت والرحيل عنه، حتى مع وضع حاجز بينها وبينه.. هي حرب إذا تستحق أن تخاض.

كرس الاحتلال بكل أجهزته نفسه رقيبا لأنفاس من في البيت، لزعزعة ثباتها والعبث بإيمانها الكبير تجاه مقدساتها، بالقسوة والتضييق، حينا عبر تفتيش كل من يدخل ويخرج إلى البيت بطريقة مهينة أو تقديم إغراءات لا ترفض وصلت إلى شيك مفتوح حينا آخر ترغيبا وترهيبا، لعل يلين لها قلب أو تضعف لها نفس.

بهذه الجمل أحاول أن أقترب أكثر من القدس وأهلها، بتلك الكلمات التي انفردت قناة الجزيرة خلال لقاء تلفزيوني خاص معها، إنها لا تعتبر ما تفعله عبثا، إن كل ما تجتهد به للذود عن المسجد الأقصى هو رباط حق عليها ولو كلفها ثمنا غاليا، إنها بنت القدس لا تخرج إلا بكفن.

قالت وبكل حزن إن أكثر ما يؤلمها خلو المسجد الأقصى من رواده الذين اعتادت عليهم في رمضان من كل سنة بل ومن كل الأشهر والأيام، ووجود الغرابيب السود من حرس الاحتلال على أبوابه، مؤكدة حب المقدسيين لقدسهم ومسجدهم وحرصهم الشديد عليه، وإنه ليس من المعتاد أن يبقى مسجدنا البتة من غير أنيس له يجوب في جنباته.

إذ إن جائحة كورونا التي اجتاحت العالم قد طاولت القدس أيضا، ولم يجد الاحتلال أفضل من هذه الذريعة لإغلاقه، أمام المصلين والحاجين شوقا وولعا إليه، إذ يمتلئ المسجد الأقصى عادة ويزدحم بالمصلين في هذا الشهر الفضيل من كل عام.

هنا تمنت أم محمد رجوع الحياة لطبيعتها في المسجد، وذهاب هذه الفاجعة الفجائية التي غزت العالم وحرمتنا من مسجدنا للهلع لجنباته وباحاته، أن يكرمنا الله بالصلاة فيه والطواف في أرجائه وبل شوقها من جميع زواياه وأركانه، لم تكتف بذلك أيضا بل تمنت أم محمد عودة الأمور إلى نصابها وإطفاء لوعتها تجاهه والنظر إليه كما كان سابقا، كما كانت الأعين تريد والأفئدة ترغب، تصبح على جلبته وحيوته وتنام عينها عليه دون رمد.

لم تزل أم محمد تعطينا المزيد والمزيد من الدروس المجانية عن بعد، في حديثها عن نفسها وأنها الخط الأول المعني بالدفاع عن قدسها ومسجدها المقدس.. كيف لي أن أهنأ؟ وتقر نفسي؟ وأنا أرى مسجدي كما عهدته، عن أي مشاعر تتحدثون وأي حب تدعون، هذا ثالث الحرمين الشريفين وأولى القبلتين ومسرى نبينا محمد تتكالب عليه الظروف والأحوال، كيف لي أن أجد السعادة؟ وهو حزين يعاتبنا ونحن نرى كل يوم هؤلاء المتطرفين اليهود يقتحمون الأقصى كل يوم في الصباح الباكر ويعتدون عليه جهارا نهارا، يسيئون لمن فيه ويدنسونه بأقدامهم يرجون بذلك هجره وخذلانه، لن يفتأ بي شيء أن أقدم الغالي والثمين في سبيله، لن أبقى مكتوفة الأيدي، صامتة على هذه الاقتحامات فماذا أنتم فاعلون يا مسلمين؟

الجدير بالذكر أن الباحث والمختص بالشأن المقدسي الأستاذ زياد بحيص قال: إن الجماعات المتطرفة اليهودية "جماعات المعبد" تستعد لما يسمى "يوم القدس" يوم الجمعة 22 مايو/أيار، الموافق ليوم 29 رمضان (آخر جمعة في رمضان) وتنوي اقتحام المسجد الأقصى المبارك في ذلك اليوم باعتبار الأقصى سيكون فارغاً من المسلمين.

جماعات الهيكل تعبئ أنصارها لهذا الاقتحام وكافة الدلائل إلى الآن تشير إلى أن حكومة الاحتلال ستسمح بهذا باعتبار أنه سيكون في نهاية الشهر المبارك. بعد أن تكون خففت إجراءات الحظر، فهل سنبقي على الإغلاق ونتيح الفرصة للمتطرفين الصهاينة ليكونوا أول من يفتح لهم الأقصى بعد الإغلاق؟

هل سنبقي على الإغلاق ونصر على النظر بعين واحدة للوباء دون أن ننظر بالأخرى إلى سرطان الاحتلال الذي يضع تهويد الأقصى في قلب أهدافه.

إن تم هذا الأمر بهذا الشكل، فإن معناه أن كسر قرار إغلاق الأقصى وفتحه بات عملياً بيد الاحتلال، لا بيد الأوقاف الإسلامية في القدس، التي كانت ويجب أن تبقى الهيئة التي تمثل حصريته الإسلامية وتدير كامل شؤونه.

كان مدير عام مؤسسة القدس الدولية في رسالة له إلى رئيس مجلس الأوقاف الإسلامية في القدس، قد قال: لا بد من إعادة النظر في افتتاح المسجد الأقصى المبارك ومنع اقتحام عصابات المستوطنين في 29 رمضان.

باختصار وبوضوح شديد.. الكرة في ملعبنا الآن.

99D7CBE9-9B84-440A-8DC0-F9321A552023
قتيبة عبد الرحمن فرحانة

مدون وصانع محتوى من الأردن

مدونات أخرى