موعد مع ديريك والكوت

موعد مع ديريك والكوت

19 مارس 2017
(ديريك والكوت في أمستردام عام 2008)
+ الخط -

فندق بلازا، بروكسل/ بلجيكا
أجلس في ردهة فندق بلازا في بروكسل، منتظرًا الفائز بجائزة نوبل ديريك والكوت وزوجته. والكوت، المقيم في جزيرة سانت لوسيا في الكاريبي، هو في أوروبا حاليًا لكي يقرأ قصيدته الملحميّة "أوميروس" ولكي يفتتح قراءات كولا ديبروت في أمستردام.

ليست هذه المرة الأُولى التي أنتظر فيها والكوت. قبل بضعة سنوات، وبعد أن أرسلنا إليه برقيةً تحتوي تكاليف سفره وأجره وبعد أن أرسلنا اتفاقية استعمال قصائده والبرنامج الكلّي للمهرجان، اتصل لكي يخبرنا بأنّه تعرض لسطوٍ في باريس. جواز سفره، محفظته، ملاحظات كتابه الأخير، كلّها فقدت في السّطو.

لذلك، قرر وهو مغتمٌ للغاية، العودة إلى جزيرته بلا توقفٍ في روتردام. بعد سنةٍ من تلك الحادثة، كنت أتناول الفطور بمهرجان في دبلن برفقة الشّاعر الأيرلندي شيموس هيني ومدير المهرجان جون مكوليف. هيني كان يدافع عن صديقه والكوت الذي يشاركه الفوز بنوبل للآداب، والذي ألغى الأُمسية السابقة. بعد كلّ رشفةٍ من القهوة كنّا نرتشفها أنا وجون ا، كان هيني يخرج زجاجة مشروب بلاك ليبل من داخل جيبته ويصبّ في كؤوسنا جرعةً أُخرى. قائلًا: "يجب أن يظلّ المستوى كما هو".

" شيموس، أنا سعيدٌ لأنك تمكنت من أخذ مكان ديريك" قال مدير المهرجان الأيرلنديّ. "الرجل المسكين، لقد بدا عاجزًا كليًّا في الهاتف. سطو عليه في باريس. فقد كل شيءٍ؛ جواز سفره، محفظته، حتى ملاحظات مجموعته الأخيرة. يا له من أمرٍ فظيع"
" اه، ديريك"، ضحك هيني، صابًا جرعةً أُخرى من البلاك ليبل في قهوة جون. "هل أعاد من جديد قصَّته عن السّطو المسلح؟"

وصل والكوت هو وزوجته. كان يحمل كتابًا قديمًا مغلفًا بغطاءٍ كتّانيٍّ، وضعه بحذرٍ على حافّة الطّاولة. "فرويد" قال، "الطّبعة الأُولى". سألته زوجته ماذا يريد أن يشرب.
هو: عصير الليمون.
هي: عصير الليمون؟
هو: عصير الليمون؟
هي: نبيذ؟
هو: لا، عصير الليمون.
هي: لقد شربنا كثيرًا من النبيذ اليوم. بعد الظهر، مع الغداء. هل تريد شيئًا آخر؟
هو: نعم، عصير الليمون.
هي: أيّها النّادل، عصير ليمون.
النّادل: ليس لدينا عصير ليمون.
هي: ليس لديهم عصير ليمون.
هو: أُريد عصير ليمون.
هي، متحدثةً للنّادل: يريد عصير ليمون.
النّادل: ليس لدينا عصير ليمون.
هي، مع ابتسامةٍ: أعليّ أن ألقي هذا الكرسيّ عليك؟
النّادل: لا
هي: كنّا جالسين على رصيف المقهى في الخارج هذا المساء، وعندما أزحت كرسيِّ كي أتمكن من الجلوس مواجهةً ديريك، أمرني هذا النّادل الغاضب أن أُرجع الكرسيّ كما كان. على كلّ الكراسي أنّ تظلّ باتجاه الشارع. أجبرونا على النّظر إلى ظهور الآخرين. هل تريد شايًا مثلجًّا(ice tea)؟
هو: نعم، شايٌ مثلج.
ينظر إلى قائمة الطّعام.
"لقد كتبوها بشكلٍ خاطئٍ. إنّها iced tea. أعطني قلمًا، سأصححها".
تناولت حقيبتها، أخرجت كتابًا لتاشن (Taschen) عن السوريالية وضعته أعلى كتاب فرويد بينما كانت تبحث عن قلمٍ.
"وكيك؟"
هو: "نعم، كيك"
هي: "مع بوظا؟"
هو: "نعم، مع بوظا"
هي: "ما هي أنواع الكيك التي يقدمونها؟". اوه، أستطيع أن أرى أنّ لديهم تشيزكيك (cheesecake). تشيزكيك؟ هل تريد تيشزكيك. هل لديكم تشيزكيك أيضًا؟"
النّادل: "ذلك كعكٌ بالأرز (rice cake)"
هي: "كعكٌ بالأرز؟"
النّادل: "كعكٌ بالأرز".
هي: " لديهم كعكٌ بالأرز".
كان والكوت يبدو ممتعضًا.
هي: "ماذا تريد؟ فراولة، تفاح أم مشمش؟"
هو: " مشمش، أُريد مشمشًا مع بوظا"
هي: "يريد مشمشًا مع بوظا"
هو: "من وضع هذا الخراء فوق كتابي؟ لمن هذا الكتاب؟"
هي: "لي"
هو: "أزيحي ذلك الخراء! حالًا!"
نظرت جافلةً إليّ. أزاحت الكتاب. وبعدها نظرت إلى ديريك وأخرجت له لسانها.
أزاح ديريك كرسيه إلى جانب كرسيّ.
"هل تعلم أنّ الناس في جزيرتي أفضل في قراءة ديكنز وشكسبير من القرّاء في لندن؟ عندما ينظرون إلى الخارج، لا يستطيعون أن يربطوا شيئًا بذلك الأدب، كما ترى. أكره كلّ شيءٍ وكلّ أحدٍ يقف في طريق الأدب الكوني؛ وخصوصًا المجموعات. الموهبة الفنيّة خالدة. أنت موهوب، تنضج موهبتك وبام أنت رامبو. بيكاسو. تلك الجائزة؟ تسس. إنّهم لم يجرؤوا حتى على منحها إلى جويس. هؤلاء السويديون لم يجرؤوا حتى أن يكرموا شاعرهم ترانسترومر*. هل كنت تعلم أنّ عليك أن تدفع ضريبةً على القيمة الماليّة للجائزة؟ لا أمزح. جائزة نوبل خاضعة للضرائب (Nobel is fucking taxed). عليّ الذّهاب. لا أستطيع أن أرى البحر. أريد أن أكون في مكانٍ يبتعد ثلاث خطواتٍ عن البحر. لن أكون بخيرٍ أبدًا بأمستردام. هل كنت تعلم أنّ البحر الكاريبيّ قديمٌ مثل بحر ايجه ويمتلك ذات المياه؟ أمواج. فقط أمواج. أمواجٌ تتأرجح على الشاطئ كأبيات دانتي وهومير السّداسيّة".

وضع النّادل الشّاي المثلج.
هو: "ما هذا؟".
هي: "إنّه الشّاي المثلج."
هو: "أهو محلّى؟".
هي: "تذوقه لتعرف إن كان محلّىً"
هو: "لا أريد شايًا محلّىً".
هي: "تذوقه أولًا".
هو: " إنّه غازيٌّ".
هي: "نعم، إنّه شايٌ مثلجٌ غازيٌّ".
يأخذ رشفةً.
"يك، إنّه حلو المذاق. اشربيه أنتِ".
هي: "لا أريد شايًا غازيًا".
هو: "عليكِ أن تشربيه".
تشرب منه. النّادل يضع كعكة المشمش.
هو: "ما هذا؟".
هي: " إنّها الكعكة بالمشمش خاصتك".
هو: "أريد مزيدًا من الملاعق".
هي: "ماذا تريد؟".
هو: "مزيدًا من الملاعق".
هي: "أيّها النّادل، يريد مزيدًا من الملاعق".
أعطاني والكوت واحدةً من الملاعق. "خذ. كُل! أنا لا أُحبّ كعكة المشمش! كُل".
آخذ قضمةً.
هو: "كم كتابًا لديك؟ أعِدْ عليّ، ماذا تفعل؟"
أنا: "مدير مهرجان الشعر العالمي في روتردام"
هو: "أنت؟ لا يمكنك أن تكون مدير المهرجان الدوليّ للشعر. لا يمكنك التّعامل مع جداول المواعيد. يستحيل عليك أن تنظم مهرجانًا بهذا الحجم".


* فاز ترانسترومر بالجائزة عام 2011

** Bas Kwakman (الصورة) كاتب هولندي ومدير مهرجان "الشعر العالمي" في مدينة روتردام الهولندية، والنص خاص بـ"العربي الجديد".

*** ترجمة: أمير حمد

المساهمون