مصالح أم خنوع؟

مصالح أم خنوع؟

22 يونيو 2016
+ الخط -
"الحكومة الإسبانية غير راضية عن مجيء ديفيد كاميرون إلى جبل طارق. ما يناقش هو بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، أو خروجها منه. لذلك، يجب أن تتم الحملة في المملكة المتحدة، لا جبل طارق".
هكذا عبر رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، بطريقة قاطعة ومباشرة عن رأي حكومته في سفر رئيس الوزراء البريطاني إلى إقليم جبل طارق، لترويج بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، قبل أن يضيف: "ما زالت إسبانيا تعتقد أن إقليم جبل طارق جزء من التراب الوطني الإسباني، لا المملكة المتحدة، هذا الموقف لن يتغيّر سواء بقيت المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، أم خرجت منه".
"لن أذهب عند إسبانيا لأطالبها بسبتة ومليلية، لأن هذه ليست دولة "سايبة".. أعرف أن لإسبانيا مصالح مع المغرب"، ودوري كرئيس للحكومة "أن أدافع عن هذه المصالح".
هذا ما قاله رئيس الحكومة المغربية، عبد الإله بن كيران، في يوليو/ تموز الماضي، بخصوص قضية استرجاع سبتة ومليلية المحتلتين من إسبانيا. ومنذ ذلك الحين، لم تتحدث الحكومة المغربية عن أي موقفٍ بهذا الخصوص، على الرغم من أن أموراً كثيرة حدثت، آخرها زيارة الرئيس الإسباني، ماريانو راخوي، الأسبوع الماضي، لمدينة سبتة المحتلة.
نحن أمام حالتين، تكادان تتطابقان في كل شيء، إلا في رد فعل الدولة الإسبانية الحازم، وموقف الدولة المغربية الخنوع. فعلى الرغم من أن إقليم جبل طارق يقع في شبه الجزيرة الإيبيرية، إلا أنه يقع تحت سيطرة بريطانيا، منذ سنة 1704، بعد تعرّض الإقليم الذي كان يوجد تحت السيادة الإسبانية لقصف شديد من الأسطولين البريطاني والهولندي، أدى إلى سقوط الإقليم بيد البريطانيين، وتوقيع اتفاقية استسلام. وعلى الرغم من المحاولات الإسبانية الفرنسية، لم تتمكن إسبانيا من استعادة المنطقة، ووقعت في عام 1714 معاهدة أوترشت، والتي تخلت بموجبها عن جبل طارق لصالح انكلترا، بشكل مؤبد ودائم، وأعلنت السيادة البريطانية على شبه الجزيرة.
مدينة سبتة، تعاقب على احتلالها البرتغاليون عام 1415 يليهم الإسبان عام 1580، أما مليلية الواقعة في الشمال الشرقي للمغرب، فتديرها إسبانيا منذ 1497. ومنذ ذلك الحين، تقع المدينتان تحت الاحتلال الإسباني، وأصبحتا منذ عام 1992 تتمتعان بصيغة للحكم الذاتي داخل إسبانيا، بقرار البرلمان الإسباني عام 1995.
يعلل رئيس الحكومة المغربية صمت الدولة المغربية وإعراضها عن مطالبة إسبانيا بالخروج من المدينتين المحتلتين، بأمرين: أولهما أن الملف ليس بيده بل بيد القصر، مؤكداً أنه لن يتحدث في الموضوع إلا بأمر من الملك، وهذا معروف، حيث إن القضايا المصيرية للمغرب يقرّرها الملك لا الحكومة. إلا أن بن كيران ذكر أن المصالح التي تربط المغرب بإسبانيا تحول دون مطالبة المغرب باسترجاع المدينتين المحتلتين، وهي حجة واهية، لأن إسبانيا نفسها لا تمنعها المصالح الكبيرة والمتنوعة التي تجمعها بالمملكة المتحدة من مطالبتها باستعادة إقليم جبل طارق الواقع تحت السيادة البريطانية.
مع أن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، جاء إلى جبل طارق لترويج فكرة البقاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يحافظ على المصالح الاقتصادية لإسبانيا التي ما زالت تعاني من آثار الأزمة الاقتصادية التي عصفت بها منذ سنة 2008. مع ذلك، لم تر الحكومة الإسبانية في هذه المصالح ذريعة للصمت على زيارة كاميرون، وعبرت عن احتجاجها، من دون أن ننسى المصالح السياسية الوثيقة بينهما، حيث أنهما دولتان كاملتا العضوية في الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون والتنمية، والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
في المقابل، على الرغم من أن الدولة المغربية دأبت، في فترات سابقة، على التعبير عن رفضها زيارات أفراد من الأسرة الملكية الإسبانية، أو رؤساء الحكومات المركزية المتعاقبة على حكم إسبانيا، مثلما حدث سنة 2007، عندما أكد وزير الاتصال آنذاك، خالد الناصري، عدم القبول بزيارة العاهل الإسباني السابق، خوان كارلوس، المدينتين المحتلتين. إلا أنه منذ ذلك الحين، التزمت الرباط الصمت إزاء هذه القضية، ما تأكد بعد زيارة رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، مدينة سبتة المحتلة قبل أيام لترويج حملته الانتخابية، وإرضاء لليمين المتطرف والمؤسسة العسكرية الإسبانية.
صمت الدولة المغربية المطبق بخصوص هذا الملف من شأنه إمعان الاحتلال الإسباني في احتلال وطمس المعالم الإسلامية المغربية المدينتين المحتلتين، وهو ما تجلى في رد فعل الأحزاب الإسبانية القوي قبل أسابيع، وإطلاقها تصريحات إدانة قوية، ودعوتها إلى مطالبة المغرب باعتذار رسمي لإسبانيا، فقط لأن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي، أحمد التوفيق، ذكر خلال جلسة برلمانية، أن سكان سبتة ومليلية "مغاربة يعيشون في وضعية خاصة".
المثير أن صمت الحكومة المغربية يتزامن مع تنامي أصوات إسبانيةـ خصوصا حزب "بوديموس اليساري" الذي يطالب سلطات بلاده بضرورة "إرجاع سبتة ومليلية المحتلتين إلى المغرب، ووضع حد للتراث الاستعماري للمملكة الإسبانية".
2A786255-8627-4FA7-B728-0F192D0A904E
2A786255-8627-4FA7-B728-0F192D0A904E
عبد الخالق مفكير (المغرب)
عبد الخالق مفكير (المغرب)