مغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية

مغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية

22 مايو 2016
+ الخط -
عادة عندما يجري الحديث حول مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية التي نشبت سنة 1936، حيث تمرد مجموعة من العسكريين الإسبان، بينهم ضباط كبار وجنرالات تحت قيادة الجنرال فرانكو، على الجمهورية الاشتراكية الإسبانية التي فازت بالانتخابات، يفكر المرء مباشرة في حوالي 150 ألف مقاتل مغربي، ينحدر أغلبهم من مدن الشمال، جندهم الجيش الإسباني للقتال ضد الجمهوريين.
تفيد المصادر التاريخية بأن الجنود المغاربة كان لهم دور حاسم في كسب الجنرالات الإسبان المتمردين على الجمهورية للحرب الأهلية، فهم حاربوا بشراسة في الخطوط المتقدمة لجبهات القتال، وسقط بينهم ضحايا كثيرون.
لكن، في المقابل، يتذكّر ناس قليلون المقاتلين المغاربة والعرب، ذوي الهوى اليساري، الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الدفاع عن الجمهورية الإسبانية. رجال نساهم التاريخ، قاتلوا ضد فاشية الجنرال فرانكو، والتحقوا بالكتائب الجمهورية. جاوز عددهم الألف مقاتل، هجروا أوطانهم وضربوا أكباد الإبل صوب إسبانيا، قادمين من المغرب والجزائر وفلسطين والسعودية ولبنان.
وفي هذا الصدد، نقلت مجلة إنسبريس الإسبانية شهادة مقاتل جزائري، قال فيها "إن بلده الجزائر ترزح تحت وطأة القمع شأن الشعب الإسباني المقموع من المستعمر الكبير.. إني مستعد لأن أقدم آخر قطرة من دمي، حتى يتسنى للجزائريين والتونسيين والمغاربة بلوغ اليوم الذي يتحرّرون فيه من نير الاستعمار، وتنفس هواء الحرية مرة أخرى".
محمد، نجاتي، النوري، الستي... معظمهم مناضلون في أحزاب يسارية، أو نقابيون، كانوا يعتبرون أن مساعدة أنصار الجمهورية الإسبانية يشكل جزءاً من تصورهم من أجل تحرير بلدانهم الأصلية من الاستعمار ومعانقة الديمقراطية.
وإذا كان المقاتلون العرب قدموا من بلدان عربية كثيرة للقتال في سبيل الجمهورية الإسبانية، إيمانا منهم بأن ذلك يشكل جزءا من النضال في سبيل تحرير أوطانهم من نير الاستعمار، فإن دراسات إسبانية عديدة أكدت أن المقاتلين المغاربة الذين شاركوا في تلك الحرب إلى جانب قوات الجنرال فرانكو، الذين كان لهم دور حاسم في ربح الجنرالات الإسبان الحرب الأهلية، إنما أقدموا على ذلك الأمر بدافع الفقر والجهل اللذيْن كانا متفشيين في شمال المملكة ومنطقة الريف، حيث عرف المغرب، في تلك الفترة، الجفاف والقحط. وبالتالي، ندرة المواد الغذائية. وهذا كان أحد الأسباب الرئيسية لتجنّد المغاربة؛ الأمر الذي بينته الكاتبة الإسبانية، ماريا روسا دي مدارياغا، في كتابها "مغاربة فرانكو"، موضحة أن نجاح تجنيدهم يعود، أساساً، إلى ما كان يقدم لهم من أغذية وملابس وأجر بلغ 180 بيسيتا شهرياً بدفعة شهرين مسبقة مع 4 كيلوغرامات من السكر وقنينة زيت مع خبز بحسب عدد أفراد العائلة.
وذهبت صحيفة "إلباييس" الإسبانية، في عدد 10 أبريل/ نيسان 2009، إلى أن الجنرال فرانكو استغل الجهل المتفشي في شمال المغرب آنذاك، واستطاع إقناع المقاتلين المغاربة بالمشاركة في تلك الحرب باعتبارها حرباً مقدسة، تمثل مواجهة بين الدين واللادين، بين الوطنيين المسيحيين والملحدين الجمهوريين الشيوعيين، لتحرير إسبانيا والمغرب من قبضة الإلحاد؛ وهذا الأمر أعطى أكله، وشجع الكثير من المتطوعين المغاربة على المشاركة في تلك الحرب.
اختلفت الدوافع والمصير واحد، فلا المنتصرون استمتعوا بلذة الانتصار، حيث الأغلبية الساحقة من المحاربين المغاربة الذين قاتلوا إلى جانب قوات الجنرال فرانكو توفي معظمهم في جو من الشعور بالنسيان والغبن، لأن التعويضات التي كانت تمنح لهم لم تكن تكفي حتى لأداء واجب أجرة بيوتهم، وعاشوا في ظروف صعبة إلى أن حصدهم الموت. ولا الذاكرة احتفظت بمكان لأولئك الذين قاتلوا وقتلوا دفاعا عن الجمهورية الإسبانية، إيمانا منهم بأن ذلك يشكل جزءا من نضالهم لتحرير أوطانهم.
2A786255-8627-4FA7-B728-0F192D0A904E
2A786255-8627-4FA7-B728-0F192D0A904E
عبد الخالق مفكير (المغرب)
عبد الخالق مفكير (المغرب)