انحناءة الوزير وإحراج المغاربة

انحناءة الوزير وإحراج المغاربة

15 يونيو 2016
+ الخط -
أثارت صورة لوزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة المغربي، عبد القادر اعمارة، في استقبال العاهل الإسباني، فيليبي السادس، له استياء كبيرا لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي المغاربة الذين عبروا عن عدم رضاهم على طريقة تحية الوزير المغربي العاهل الإسباني، وذلك بعدما أدرج الوزير صورة على صفحته في "فيسبوك"، وأرفقها بتعليق: "صباح اليوم، حظيت باستقبال العاهل الإسباني الملك فيليبي السادس في القصر الملكي بمدريد"، حيث وضع صورته وهو منحن أمام ملك إسبانيا، الأمر الذي لم يستسغه المتتبعون للوزير المغربي، عبر صفحته على "فيسبوك" أو في تعليقاتهم على الخبر في المواقع الإخبارية المغربية، وهي تعليقاتٌ تضمنت في مجملها انتقادات لاذعة للوزير.
ويبدو أن الوزير اعمارة لم يستسغ تلك الانتقادات اللاذعة، ورد على منتقديه قائلا: "إن البعض، للأسف، حوّل انحناءة احترام لرئيس دولة إلى ركوع. لقد كان العاهل الإسباني غاية في اللطف، ودام الاجتماع معه حوالي 40 دقيقة. المهم في ما نقوم به من أعمال أن تعود بالنفع على بلدنا الحبيب الذي نغار عليه كلنا"، لنكون أمام أسئلة من نوع: ما الذي جعل عدداً كبيراً من متتبعي الوزير المغربي يشعرون بالإهانة من انحناءة وزير حكومتهم أمام ملك إسبانيا؟ وهل كان ضرورياً أن ينحني الوزير لملكٍ لا ينحني له أحد من أفراد شعبه؟
من حق المغاربة أن يغضبوا لرؤية صورة وزير حكومتهم منحنياً أمام عاهل إسبانيا، لأن الوزير عندما يكون في زيارة رسمية إلى بلد أجنبي، فإنه يمثل شعبه، وكل ما يقوم به يكون له انعكاس على صورة الشعب الذي يمثله في أذهان المسؤولين، وحتى مواطني البلد المضيف، خصوصا إذا تعلق الأمر بإسبانيا "الجار اللدود" للمغرب، والمستعمر السابق والحالي، الذي ما زال يبسط يده على مدينتي سبتة ومليلة المحتلتين وجزر الخالدات التي لن ينسى الشعب المغربي أنه إلى حدود القرن الحادي والعشرين ما زال جزء من بلده يقبع تحت الاحتلال الإسباني. كما لم يشف الشعب المغربي بعد من الجرح الذي ما زال ينزف منذ خروج الاستعمار الإسباني من الصحراء المغربية، حيث أن الاستعمار الإسباني لمّا وجد نفسه عاجزاً أمام اتقاد روح المقاومة المغربية، سعى إلى غرس أفكار وأشخاص تربوا على مبادئ الاستعمار ليحملو شعلته، وترك، بعد عقود من القمع والقتل ونهب الثروات، مشكلة مستعصية جعلت المغرب في ارتباكٍ دائم منذ أكثر من أربعين سنة. ومازال المغاربة يعانون من أثر الغازات الإسبانية السامة التي ألقتها طائرات الاحتلال، على منطقة الريف في عشرينيات القرن الماضي، وتسببت في انتشار أمراض السرطان في مناطق الريف المغربي التي يؤكد باحثون متخصصون وجود ما بين 60% إلى 80% من حالات السرطان في المغرب في هذه المنطقة التي تسجل أعلى معدل للإصابة بالسرطان في العالم، والتي تحصد أرواح المغاربة، في وقتٍ ينحني فيه وزيرهم لعاهل إسبانيا.
وتمثل انحناءة الوزير المغربي لفيلبي السادس، في المقابل، إحراجاً لشريحة واسعة من المجتمع الإسباني، الذين سيكتشفون أنهم لا يحترمون ملكهم كفاية، حيث لا ينحني أي مواطن إسباني أمامه، ما دام أن وزيرنا قد برّر فعلته بـ "انحناءة احترام لرئيس دولة"!
ما لا يعلمه وزيرنا أن نصف الإسبان تقريبا أصبحوا يفضلون الاستغناء عن الملكية، وإقامة نظام جمهوري، وأن شقيقة ملك إسبانيا، الأميرة كريستينا، تحاكم بتهم التهرب الضريبي مثل أي مواطن خالف القوانين التي تسري على الجميع، بل إن حزب "اليسار الموحد" المؤثر في المشهد السياسي الإسباني، والذي تبوأ استطلاعات الرأي، في التحالف الذي يجمعه مع حزب "بوديموس"، وجاء المرتبة الثانية في الانتخابات المقبلة، قام بتغريم أمينه العام، ألبيرتو غارسون، بسبب تلفظه خطأ بلفظ "الملك فيليبي" عوض "المواطن فيليبي"، كما جرت عادة قياديي ومناضلي الحزب مناداة ملك إسبانيا، فما بالك بأن ينحنوا له كما فعل وزيرنا المغربي الذي يبدو أنه يكن من "الاحترام" للعاهل الإسباني أكثر ما يكنه له شعبه.
2A786255-8627-4FA7-B728-0F192D0A904E
2A786255-8627-4FA7-B728-0F192D0A904E
عبد الخالق مفكير (المغرب)
عبد الخالق مفكير (المغرب)