مسرحية "فرانس برس" وبطلها الأسد

مسرحية "فرانس برس" وبطلها الأسد

14 ابريل 2017
+ الخط -

من حق الصحافي أن يجري حواراً مع من يشاء. بغض النظر عن رأيك في الشخص الذي تتم محاورته. طالما أنه سيكون حواراً صحافيّاً حقيقيّاً وليس مسرحية. وعلى هذا، فإن حوار سامي كيتز، مدير مكتب فرانس برس في بيروت، مع بشار الأسد، كان حواراً صحافياً قريب الشبه بالمسرحية.

مبدئياً لا يصح اتهام "فرانس برس" بمحاباة بشار، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمجزرة خان شيخون. فرنسا هي الدولة التي دعت مجلس الأمن إلى الجلسة العاجلة بعد المجزرة، وكانت مؤيدة للقصف الأميركي لقاعدة الشعيرات الجوية. كذلك لا يمكن ببساطة اتهام كيتز بمحاباة بشار في الحوار. وإن كانت محصلة الحوار تصبّ في صالح بشار.

بروتوكول الحوارات مع الشخصيات الرئاسية ورؤساء الوزراء ومن في مرتبتهم معقدة جداً، وفيها كثير من الأمور المكبلة للصحافي. كان واضحاً أن كيتز يقرأ الأسئلة من ورقة يمسكها طيلة الحوار، وكأنه تلميذ وليس صحافياً متمرّساً، وليس هذا بسبب ضعف قدراته، وإنما بسبب البروتوكول في هذا النوع من الحوارات.

يقدم الصحافي طلباً للحوار. في حال جاء الرد بالموافقة، يتم إرسال الأسئلة إلى إدارة الشخص المعني "الرئاسة السورية في حالتنا هذه"، تقرر تلك الجهة الأسئلة المقبولة. يتم الرد باختيار الأسئلة. يتحتم على الصحافي الالتزام بنص الأسئلة المتفق عليها. بهذه الصرامة يجري الأمر.

في الحوار، ينكِر بشار كليّاً مسؤولية نظامه عن مجزرة خان شيخون، وليس هذا بجديد، بل هو أمر متوقع، والأغلب أنه وافق، أو إدارته، على إجراء الحوار لهذا السبب بالأساس.

لكن الحوار كشف عدة أمور، منها: في بداية الحوار يؤكّد بشار تنفيذ طائراته ضربات جوية على خان شيخون، يحدد موعدها بفترة الظهيرة، نافياً بذلك المسؤولية عن المجزرة التي وقعت فجراً بحسب شهود العيان، لكنه لاحقاً في الحوار نفسه (الدقيقة الخامسة) يقول إن جيشه "لا يخوض في منطقة خان شيخون معارك وليس له فيها أهداف لأنها ليست منطقة استراتيجية"، ثم في (الدقيقة 15)، يناقض هذا التسلسل الزمني قائلاً إن قواته "ربما قصفت مستودعاً للأسلحة الكيميائية" التابعة لمعارضيه وأن هذا تسبب في مقتل الضحايا.

لكنه ينتبه إلى مخالفة التسلسل الزمني الذي سبق له أن حدده، فيضع معلومة جديدة مضللة مفادها أن المعارضة ومن تولوا البروباغاندا للموضوع أعلنوا عن المجزرة قبل وقوعها بعدة ساعات. وهذا أيضاً إحدى فوائد الحوارات المعدة مسبقاً لخدمة أهداف معدة مسبقاً.

خلال الدقيقة الثالثة من الحوار المصور، يؤكد بشار أن جيشه لا يمتلك أسلحة كيميائية، ويكررها عدة مرات خلال الحوار، مشيراً إلى أنه تم التخلي عنها كليّاً باعتراف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في 2013، لكنه في نفس الدقيقة يقول "حتى لو كنا نمتلكها فلن نستخدمها"، فما الداعي إلى قول ذلك إن كنت لا تملكها؟

ولاحقاً يقول "لماذا نستخدمها ضد المدنيين، بينما نحن نحارب الإرهابيين منذ ست سنوات ولم نستخدمها ضدهم"، متجاهلاً مجزرة مماثلة سابقة بالكيميائي على الغوطة الشرقية في أغسطس/ آب 2013 راح ضحيتها المئات.

حاول بشار طيلة الحوار أن يبدو متماسكاً، حتى إنه كان يلجأ إلى مداعبة الصحافي في بعض الأوقات، أو الظهور بمظهر الساخر في أوقات أخرى، على غرار ما قاله عن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والذي يرى أنه لا يملك القرار في الولايات المتحدة، ويعتبره ممثلاً على مسرح السياسة الأميركية الذي تتحكم به "الدولة العميقة".

في ردّه على سؤال حول معرفته مسبقاً بالهجوم الأميركي، وإن كان الروس قد أبلغوه بالمعلومة قبل وقوع الهجوم، كان بشار مراوغاً لأقصى درجة (الدقيقة 13)، فهو في البداية نفى العلم بموعد الضربة، وقال إن الروس لم يبلغوه، وربما هم أنفسهم لم يكونوا على علم بها، ثم تراجع ليقول إن الروس علموا بها قبل وقت قصير جداً "ربما بعد إطلاق الصواريخ". لكنه رغم ذلك يؤكد أن نظامه قام باتخاذ احتياطات لتفادي الآثار مسبقاً، ما يؤكّد العدد المحدود من الضحايا الذين سقطوا من جراء الضربة الأميركية، والذين حددهم بشار بأنهم ستة جنود فقط من بين مئات الجنود والضباط العاملين في القاعدة.

والحديث عن الاحتياطات التي اتخذت في القاعدة بحسب قول بشار في الحوار، يفند ما قاله هو نفسه رداً على سؤال سابق حول عدم ظهور أي آثار للسلاح الكيميائي بعد ضرب الأميركان مستودعات الأسلحة في الشعيرات، فإن كان اتخذ احتياطات، فلا شك أن أولها سيكون نقل مستودعات الأسلحة الكيميائية إن وجدت.

من المهم، أيضاً، في الحوار التأكيدات التي قالها بشار حول أن القصف الأميركي لم يكن مؤثراً على قدرات جيش النظام على ضرب معارضيه، وهذا تحدث عنه كثير من الخبراء العسكريين في أعقاب القصف، مشيرين إلى أنه لم يكن له تأثير عسكري حقيقي على الأرض.

غير أنّ السؤال، الأكثر وضوحاً في تحقيق غاية الحوار المتمثلة في تلميع صورة الأسد، تمحور حول ما إن كان الأسد قد تعب من الأحداث المتواصلة بعد ست سنوات من الصراع. وجاء ردّ بشار الخاص عندها بأنّ كل ما يزعجه هو الوضع الإنساني وأن ذلك يحرمه من النوم. وهذا يبدو "فينالة" مناسبة للمسرحية الصحافية.

8F6CB21E-4688-47B2-8AC3-A7685713ABC4
سلامة عبد الحميد
صحافي مصري، من أسرة "العربي الجديد". يقول عن نفسه: أكره السياسة والمنافقين، وضدّ كل المستبدين. أحب السينما والموسيقى والسفر..