محمود زكي.. قراءة في النصوص المصاحبة للمخطوط

محمود زكي.. قراءة في النصوص المصاحبة للمخطوط

19 اغسطس 2020
(المكتبة التراثية في "مكتبة قطر الوطنية")
+ الخط -

تنظّم "مكتبة قطر الوطنية" في الدوحة مؤخراً سلسلة محاضرات وجلسات تتضمّن قراءات لمجموعة من المخطوطات التاريخية النادرة بالمكتبة، وتتيح للمشتغلين والمهتمين بالتاريخ والتراث فرصة للتعرف على نفائس مخطوطات المكتبة التراثية، إضافة إلى خدماتها الافتراضية والرقمية.

في هذا السياق، نظّمت المكتبة عند الثانية عشرة  والنصف من ظهر أمس الثلاثاء المحاضرة الثالثة من السلسلة عن بُعد بعنوان "النصوص المُصاحِبة للمخطوط.. قراءات في مخطوطات مكتبة قطر الوطنية" قدّم خلالها محمود زكي، أخصائي المخطوطات بالمكتبة، تحليلاً لبنية المخطوط الإسلامي ومكوناته.

يركّز المحاضر على المكوِّنات النصيَّة في المخطوط مع تطبيقها على نماذج من مخطوطات المكتبة وغيرها، مبرزاً تنوعها المكانيّ والزمانيّ، وكذلك مختلف الحالات النفسية والوظائف للأشخاص المشاركين في إنتاج المخطوط وتنقله وتوزُّعه وتلقيه. وهو في أثناء هذا يناقش أهمية هذه النصوص الهامشية، كمصدر تاريخيّ للتوثيق، إلى جانب النصوص الأدبية التقليدية.

تركّز على المكوِّنات النصيَّة في المخطوط مع تطبيقها على نماذج من مخطوطات المكتبة

ويتوقف الباحث في بداية محاضرته عند كتاب "مع المخطوطات العربية" للمستشرق الروسي إغناطيوس كراتشكوفسكي (1883 – 1951)، والذي يتضمّن سيرة ذاتية يناجي فيها مخطوطاته التي عاش معها جلّ عمره، موضحاً كيفية تعامله معها، وأوصاف كلّ منها، وقيمتها التي لا تقدّر بثمن، والتلف الذي أصاب بعضها.

ينتقل زكي بعدها للحديث عن بنيّة المخطوط الذي يتكوّن من بنية مادية (الكيان المادي) تحدّث عنها في محاضرته السابقة في عناصر محدّدة حيث المخطوط مادة يكتب عليها، ومادة يكتب بها، وأداة تستخدم في الكتابة، وخط يُختار للكتابة، ووأسلوب معيّن للكتابة، وثم ألوان مختلفة من الفن يمكن أن تضاف إليه، وأخيراً أسلوب معين للتجليد.

يتطرّق زكي إلى الوجادة، إحدى طرق تحمّل الحديث والعلم في الحضارة الإسلامية

ويتناول في محاضرته أمس البنية النصية للمخطوط (نصوص المخطوط)، مقسماً إياها إلى قسمين: النص الأصلي وهو نص الكتاب الذي كتبه المؤلف، والنصوص المصاحبة للنص الأصلي (يطلق عليها البعص خوارج النص)، وهي كلّ نص في المخطوط، عدا النص الأصلي للمؤلّف، سواء قُيّد من قبل الناسخ أو المالك أو القارئ، وهي تعدّ من القيود والتقييدات، أي ما يقيّد ويسجّل من نصوص، وأغلبها تكون في الصفحات الأولى والصفحات الأخيرة من المخطوط.

ويتطرّق زكي إلى الوجادة، إحدى طرق تحمّل الحديث والعلم في الحضارة الإسلامية، التي تعرّف بكونها ما يجده الإنسان من كتاب بخطّ شخص عاصره أو لم يعاصره، حيث يمكن اعتبار النصوص المصاحبة بوصفها وجادات، معدّداً مجموعة من المدونات التي حاولت رصد النصوص المصاحبة في المخطوطات (ما وُجد على ظهور الكتب)، ومنها "نهزة الخاطر ونزهة الناظر في أحاسن ما نقل من ظهور الكتب" لعلي بن يوسف القفطي، وهو مخطوط مفقود، و"الصبابات في ما وجدته على ظهور الكتب من الكتابات" لجميل العظم.

إلى جانب "الغُرر على الطرر: غرر الفوائد على طرز المخطوطات والنوادر" و"فوائد حاضرة من طرز المخطوطات والكتب النادرة" لمحمد خير رمضان يوسف، و"التقييدات الشهية من ظهور وغواشي وحواشي النسخ الخطية" لصالح محمد بن عبد الفتاح الأزهري. كما تعتبر مجاميع السماعات والإجازات والأسانيد من الوجادات، بحسب المحاضر.

أهمّ مواطِن النصوص المصاحبة هي صفحة العنوان والصفحات الأولى والأخيرة والهوامش والبياضات

ويلفت زكي إلى أن أهمّ مواطن النصوص المصاحبة في المخطوط، هي: صفحة العنوان، وحرد المتن (وصفحتها)، والصفحات الأولى والأخيرة، والطرر الأربعة (الهوامش) والبياضات، وأن أبرز أنواعها تنقسم إلى التملذك والوقف ووالتقييدات النساخية (ومنها حرد المتن) والهوامش.

يتساءل أيضاً عمّا تقدّم لنا هذه القيود والنصوص من معلومات ومعارف، مبيّناً أن هناك العديد من العلوم والمجالات التي يمكنها استثمار وتوظيف النصوص المصاحبة مثل تاريخ الأفكار وانتقالها، وتاريخ النص وتطوّره، وتاريخ التأليف والنساخة، والتاريخ الاجتماعي والاقتصادي، والتاريخ العمراني وخطط المدن الإسلامية والطبوغرافية التاريخية، ودراسة التراجم، كما تزوّدنا بأسماء أشخاص مشاهير وكثير من المغمورين والمجاهيل في التاريخ الإسلامي، وتفيدنا بتواريخ وأحداث وأسماء الأماكن والمباني (مثل صالحية دمشق مثلاً)، فضلاً عن معلومات ومصطبحات متصلة بوظائف ومهن، وأسعار سلع وخدمات، وغير ذلك الكثير مما لا يُذكر في كتاب التاريخ والحوليات، أو تؤكده وثائق مباشرة.

ويوضّح زكي أن أبرز الفوائد من النصوص المصاحبة أنها ترسم خريطة لرحلة النص والمخطوط وتنقله، بداية من التأليف، للأمر بالنسخ من المستكتب، والناسخ، والزمان والمكان، ثم بيع المخطوط، وتملكه، وانتقاله من شخص لآخر، ووقفه وحفظه في خزائن الكتب العامة وخزائن الجوامع والمدارس والزوايا، ثم تنقّل الوقف، وإعادة التوقيف مثلما حصل في الدولة العثمانية وغيرها، وكذلك التعرّف على الحركة العلمية في الزمان والمكان المعينين، والعلوم التي كانت رائجة في مجالس العلم ومدارسه، وفي حركة الوراقة والاقتناء والمطالعة عامة، وكذلك خطوط الكتب وانتشارها.

المساهمون