مباحثات روسية ألمانية: تقريب وجهات النظر لتبريد نيران خارجية

مباحثات روسية ألمانية: تقريب وجهات النظر لتبريد نيران خارجية

11 اغسطس 2020
لقاء ماس ولافروف هو الأول منذ بداية كورونا (Getty)
+ الخط -

في زيارة هي الأولى من نوعها منذ بداية جائحة كورونا، يبحث وزير الخارجية الألماني هايكو ماس مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، في موسكو اليوم الثلاثاء، عدداً من القضايا الدولية، من ضمنها الأوضاع في ليبيا وأوكرانيا وسورية، إضافة إلى العلاقات الثنائية المتوترة على خلفية الاستياء الروسي من نيّة ألمانيا طرح قانون لمعاقبة شخصيات ومؤسسات روسية، بسبب هجمات سيبرانية تعرض لها البرلمان الألماني (بوندستاغ) في 2015. وتأمل موسكو في أن تتبنى برلين موقفاً قوياً ضد العقوبات الأميركية على مشروع "السيل الشمالي 2" لنقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق.
ورغم أن ألمانيا من أهم شركاء روسيا الاقتصاديين، خصوصاً في مجال الطاقة، فإن علاقات البلدين تراجعت كثيراً منذ ضم القرم في 2014، ومحاولة اغتيال العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال في مارس/آذار 2018، إضافة إلى الاتهامات الألمانية لأطراف روسية بالوقوف وراء هجمات قراصنة في 2015، واغتيال ناشطين سياسيين وصحافيين روس على أراضي الاتحاد الأوروبي. وتراجع التبادل التجاري بين البلدين من 20 مليار دولار إلى نحو 15 مليار دولار، مقارنة بمؤشرات عام 2013. وأفاد بيان صادر عن الخارجية الروسية عشية الزيارة أنه "من المقرر أن يتبادل الجانبان وجهات النظر حول مجموعة كاملة من القضايا في العلاقات الروسية الألمانية، إضافة إلى مناقشة المواضيع الدولية الأكثر إلحاحاً، بما في ذلك تسوية الصراع الأوكراني الداخلي والأزمة الليبية والوضع في سورية".


تستورد ألمانيا نصف حاجتها من الغاز الطبيعي من روسيا

 

ويبدو أن برلين تراهن على استغلال رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي، التي بدأت الشهر الماضي، من أجل البحث عن حلول تمنع استئناف الأعمال القتالية في دونباس شرقي أوكرانيا، واستئناف الحوار ضمن صيغة "نورماندي" (مع فرنسا وروسيا وأوكرانيا) للتوصل إلى حل للأوضاع في شرقي أوكرانيا، بعد فشل القمة الأخيرة نهاية العام الماضي في تحقيق أي اختراق. وفيما يخص الملف الليبي تتجه ألمانيا إلى توسيع دورها في حل الأزمة، على أساس مخرجات مؤتمر برلين، بداية العام الحالي، ووقف الاقتتال في ليبيا ومنع تهريب الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة. ومع أن روسيا أكدت دعمها مخرجات مؤتمر برلين، وتؤكد وقوفها على مسافة واحدة من جميع الأطراف وتدعو لعملية سياسية لا تستثني أي قوة ليبية، فإن أطرافاً كثيرة تتهمها بدعم مليشيات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر وتزويده بالسلاح عبر طرف ثالث.

ومن الواضح أن برلين، المتخوفة من موجات هجرة جديدة من جنوب المتوسط في حال تجدد الأعمال القتالية في ليبيا على شكل واسع، تسعى إلى الضغط على موسكو من أجل تبني موقف أكثر وضوحاً، ووقف نشاط مرتزقة "فاغنر" والالتزام بوقف تسليح أي طرف. ومعلوم أن ألمانيا استطاعت في الأشهر الماضية التخفيف من حدة الاختلافات بين الموقفين الفرنسي والإيطالي بشأن الحل في ليبيا، نحو التركيز على مخاطر تدخل تركيا وروسيا، وإمكانية أن تعقد أنقرة وموسكو صفقة على غرار ما جرى في سورية، ما يضعف موقف أوروبا.

انتقدت موسكو دعوة برلين لفرض عقوبات أوروبية عليها

وما تزال مواقف الطرفين متباعدة في ما يخص الأزمة السورية. وتسعى موسكو منذ صيف 2018 إلى إعادة اللاجئين السوريين من دون انتظار أي تغيير سياسي في سورية، على اعتبار أن الأوضاع باتت آمنة ومستقرة، والمباشرة بعملية إعادة البناء. لكن يبدو أن برلين غير متشجعة لهذه الخطوة، وتركز على منع انهيار اتفاق إدلب الموقع بين روسيا وتركيا لتجنب موجة لجوء جديدة، وتطالب بالتوصل إلى حلول على أساس القرار الدولي 2254، واستئناف عمل اللجنة الدستورية كجزء من حل سياسي شامل بمقتضى القرارات الدولية ومرجعية إعلان جنيف.
وفي ظل تلويح الولايات المتحدة بفرض عقوبات إضافية على مشروع " السيل الشمالي 2" (نورد ستريم)، أعربت الخارجية الروسية عن أملها في أن تواصل برلين اهتمامها بالمشروع رغم معارضة واشنطن. وذكرت في البيان أن "موسكو تنظر إلى المحاولات العدوانية للولايات المتحدة لتعطيل استكمال بناء (السيل الشمالي 2) عبر فرض عقوبات تتجاوز الحدود الإقليمية ضد المشاركين فيه على أنها انتهاك فاضح للقانون الدولي من قبل واشنطن، وتدخل صارخ في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة". وشددت على أن "روسيا تؤكد عزمها على تنفيذ المشروع حتى النهاية، رغم معارضة الأميركيين". وأعلنت أنها "تتوقع أن تستمر حكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية في الالتزام بالنهج". ودشنت روسيا خط "السيل الشمالي 1" في 2012 لنقل 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، من دون المرور ببلدان الترانزيت، بعد المشكلات مع أوكرانيا في 2005 وما تلاها. وتملك "غازبروم" 51 في المائة من المشروع، والحصة الباقية لشركات أوروبية تدخل معها في ائتلاف. ويرفع "نورد ستريم 2" طاقة شبكة الأنابيب إلى 110 مليارات متر مكعب، ويقلل الاعتماد على شبكة الأنابيب التي تمر عبر أوكرانيا. وتستورد ألمانيا نصف حاجتها من الغاز الطبيعي من روسيا، وتسعى الولايات المتحدة إلى إزاحة روسيا عن السوق الأوروبية.


وفي حين تشارك ألمانيا روسيا موقفها الرافض للعقوبات الأميركية على خط الأنابيب، فإنها تدعو إلى تبني عقوبات أوروبية مشتركة، رداً على هجوم سيبراني واسع النطاق نفذ، حسب برلين، من قبل قراصنة روس، رغم نفي موسكو بشدة. وأصدر القضاء الألماني، منذ أشهر، مذكرة اعتقال بحق المواطن الروسي دميتري بادين، الذي يعتقد يعتقد أنه المسؤول عن هجوم إلكتروني استهدف البرلمان الألماني في إبريل/نيسان ومايو/أيار 2015. وأكدت الخارجية الألمانية حينها أن هناك "أدلة موثوقة" على أن بادين كان عضواً في جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي حين حدوث الهجوم.
وفي بيانها عشية اللقاء بين لافروف وهاس، أكدت الخارجية الروسية أنها تنظر "في شكل سلبي" لمبادرة الحكومة الألمانية ودعوتها لفرض عقوبات على مستوى الاتحاد الأوروبي على روسيا، بسبب "اتهامات باطلة" بالمشاركة في هجمات سيبرانية ضد البرلمان الألماني "بوندستاغ" في 2015. وطالبت الخارجية الروسية الجانب الألماني بعرض "إثباتات وأدلة دامغة يمكن التأكد منها". وتسعى موسكو إلى ثني برلين عن هذه الخطوة، لأنها تسهم في جولة جديدة من "المناكفات السياسية" بين روسيا والغرب.

المساهمون