ماتيلد شيفر: أحكي لكم عن قصص الأطفال

ماتيلد شيفر: أحكي لكم عن قصص الأطفال

21 سبتمبر 2018
(ماتيلد شيفر)
+ الخط -

ضمن سلسلة ندوات "ميدان المنيرة" التي تنظّمها عدة مؤسسات ثقافية فرنسية في مصر، من بينها "المعهد الثقافي الفرنسي"، عُقدت الأحد الماضي ندوة مع الباحثة ومؤلفة ورسامة قصص الأطفال الفرنسية، ماتيلد شيفر (1972)، للحديث حول موضوع الإبداع العربي المخصّص للفتيان والفتيات.

شيفر التي اختارت لندوتها عنواناً طريفاً هو "الكتكوت ليس كلباً"، مستعيرة إياه من عنوان إحدى قصص الأطفال التي كتبها جار النبي الحلو ورسمها حلمي التوني (صدرت عن "دار الشروق" المصرية)، بدأت هي الأخرى كلامها بما يشبه مفتتح حكاية شاعرية؛ إذ قالت: "عبرتُ البحر لأحكي لكم عن قصص الأطفال".

تعمل شيفر باحثة في "معهد أبحاث ودراسات العالم العربي والإسلامي"، وقد حازت درجة الدكتوراه بأطروحة حول أدب الأطفال المكتوب بالعربية، وهو ما أفردت له ندوتها، ماسحةً أربعين عاماً من محتوى هذه الكتابة خلال ساعتين من الزمن.

كان أول ما أشارت إليه شيفر تجربة "دار الفتى العربي"، والتي تعتبرها دار النشر الأولى المتخصصة في كتب الأطفال، وقد تأسّست على يد عدد من الرسامين والكتّاب العرب، وبرأس مال فلسطيني، عام 1974. ودلالة عام النشأة ليست خافية، كما توضّح شيفر، "إذ إن التجربة برمتها كانت انعكاساً لهزيمة يونيو 67، في محاولة استكشاف معنى الذات والوطن".

وعبر عدد من القصص متنوعة المواضيع مما صدر عن "دار الفتى العربي"، التي كان مديرها الفني هو الفنان المصري محيي الدين اللباد، عرضت شيفر مسحاً لتأثير الأيديولوجيا على نتاج الدار ارتباطاً بالزمن العربي ساعتها؛ كبروز قضية فلسطين مثلاً كمسألة عربية ملحّة في أكثر من إصدار من أوليات أعمال الدار، وأكثر من ذلك الجرأة في طرح الحل النهائي والوحيد لمسألة الاحتلال: المقاومة بالسلاح، كما في قصة "البيت" مثلاً التي كتبها زكريا تامر ورسمها اللبّاد، كأنما الأفكار الجذرية وغير المهادنة المطروحة في كتب الدار كانت تستبق نكوصاً وانقلاباً سيمارسه الرئيس المصري أنور السادات بعد سنوات قليلة عبر "زيارته" التطبيعية إلى القدس المحتلة.

نبّهت الباحثة الفرنسية إلى مراحل التطوّر التي صاحبت الكتابة لليافعين، والتي من بينها الاتجاه للكتابة للطفل عن العالم الذي يعيش فيه ويحياه. تقول إنه وإن كانت هناك مبادرات أخرى سبقت تجربة "دار الفتى العربي"، كمجلة "سندباد" المصرية التي أُطلقت في العام 1962 وكان عمادها الفنان حسين بيكار، إلا أنها كانت تنحو لأجواء الخرافات والأساطير، لا ذلك الواقع النابض من حول الأطفال.

هنا، كانت تجربة "دار الفتى العربي"، برساميها الكبار أمثال حلمي التوني واللباد ونذير نبعة، وكذلك بكتّابها كزكريا تامر وصلاح عيسى وجميل عطية إبراهيم وغيرهم، نقطة تحول نحو أعمال لليافعين غير منقطعة الصلة بزمنهم ودنياهم.

لم يرث التجربة الواعدة هذه كثيرون من الأجيال الأصغر، أو أنهم أفراد يعملون كل على حدة. أما الباقون من جيل الدار فاختاروا الانزواء تحت مظلة المشاريع الفردية لأن الزمن لم يعد كما هو، فيما اختار آخرون طواعية التخلي عن عباءة الفكر القديم بثوريته وجذريته. هل لهذا فكرت شيفر في تأسيس دار لنشر كتب الأطفال سمتها "الميناء الأصفر"، مهمتها نشر أعمال للناشئة بأيدي كتّاب ورسامين عرب بالأساس من الأسماء البارزة الأقدم والأحدث؟

أيا ما كان الأمر فإن الدار التي مقرها مارسيليا تطبع أعمالها بازدواج لغوي يجمع بين العربية والفرنسية في صفحة العمل الواحدة، مستعينة بأسماء كالمصريين حلمي التوني ووليد طاهر والسوداني صلاح المر، وشيفر نفسها، فاتحة باب التجريب في إنتاج الكتب على مصراعيه شكلاً ومضموناً؛ لجهة الشكل: حجماً واتجاه قراءة؛ ولجهة الموضوع: اهتماماً بإنتاج الكتب الشعرية والتنويعات التقنية للرسوم الإيضاحية ذاتها.

توضّح شيفر أنها أرادت أن تقول للفرنسيّين إن العالم العربي في مكان آخر غير باريس، من هنا تصدر الكتب مزدوجة اللغة، لكنها كذلك - وبواقعية شديدة - رغبت في بيع كتب دارها داخل حدود العالم العربي نفسه.

في ختام الندوة، حيث فُتح باب الأسئلة للجمهور، تلقت شيفر سؤالاً حول الفئات العمرية التي تخاطبها الكتب الصادرة عن دار "الميناء الأصفر"، فردّت بالقول إن التقسيم العمري هو فكرة مدرسية ترفضها؛ إذ إن البشر لا ينمون بنفس الطريقة ولا بذات المعدّل.

وفي صلب إجابة شيفر كانت تحاجج في محاضرتها عبر كل التجارب التي عرضتها وصولاً إلى الزمن الراهن: الأطفال ليسوا حقولاً لاستنبات أفكار الكبار عنهم، وما عليهم إلا أن يعيشوا عالمهم كما يحلو لهم.


قادمة من الميناء الأصفر
في 2001، أطلقت ماتيلد شيفر دار النشر "الميناء الأصفر" وقوامها أعمال تصدر بالعربية والفرنسية بين حكايات الأطفال والشعر، بالإضافة إلى عدد من الأعمال التي يمكن تصنيفها ضمن أدب الرحلة. عاشت شيفر العقدين الأخيرين بين ثلاث حواضر: مارسيليا والقاهرة ودمشق، وهي مدن تحضر في عدد من نصوصها. من إصداراتها نذكر: "كانس الغبار" (2002) و"القبلة" (2014)، وحكايات مساجد (2004، بالاشتراك).

المساهمون