لن أتمكّن من تقبيل جبين أمي

لن أتمكّن من تقبيل جبين أمي

24 سبتمبر 2015
ما زال لديهم أمل (حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -

أكثر من ثلاثة ملايين نازح في العراق، بالإضافة إلى آلاف آخرين اختاروا البحث عن حياة أكثر أماناً خارج البلاد. يستذكر الحاج أبو محمد (61 عاماً)، الذي نزح إلى مخيم بزيبز (جنوب الفلوجة) قول المتنبي: "عيدٌ بأي حالٍ عدت يا عيد". يصمت لينفث سيجارته التي لفها بعناية. يقول لـ"العربي الجديد": "لم نعد نشعر بطعم الفرح وقد فقدنا منازلنا وتركنا ديارنا وتفرقنا عن الذين نحبهم. منهم من ذهب إلى ربه، ومنهم من نزح إلى مناطق أخرى، حتى صرنا نفتقد جلساتنا العائلية، وتجمعات نساء المنطقة اللواتي كن يصنعن كعك العيد الكليجة.. لكن لا كعك في المخيمات".

من جهته، يشتاق حمد سلام (47 عاماً)، الذي نزح إلى بغداد، إلى أقاربه وجيرانه وأصدقائه، حتى الجامع الذي كان يذهب إليه لأداء صلاة العيد مرتدياً جلبابه. أيضاً، يستذكر شقيقه الذي قضى خلال قصف على مدينته الفلوجة خلال العمليات العسكرية. يقول: "هذا العيد الرابع الذي نقضيه خارج مدينتنا. أفتقد كل شيء، أصوات المآذن وتكبيرات العيد وقراءة القرآن وأصدقائي وأقاربي وشقيقي الذي قُتل وعائلته". يضيف أن "العيد أصبح مجرّد ذكرى".
أكثر ما يحزن النازحين هو العيش في بيوت الطين والمخيمات في الصحراء، حيث الأفاعي والعقارب والجوع والمرض والفقر. يقول صالح عثمان (31 عاماً)، وهو من أهالي صلاح الدين، إنه خلال العيد، "نكتفي بتهنئة بعضنا البعض عبر الهاتف". يضيف: "منذ عام ونصف العام، تشرّدت عائلتنا. سيأتي العيد من دون أن أقبّل أمي، علماً أنني لم أرها منذ عام ونصف العام". يؤلمه أنه سيكتفي برسالة نصية. ويضاف إلى ما سبق ألم النزوح والعوز والبعد عن الديار والإهمال الحكومي، مشيراً إلى "أننا نعيش كغرباء في بلادنا، ونحاول توفير لقمة العيش لأطفالنا".

في السياق، تقول الباحثة الاجتماعية غيداء العبيدي، إنه بدلاً من أن يسعد العراقيون بالعيد، يشعرون بحزن كبير وهم ينظرون إلى ملابس أطفالهم الرثة. تضيف أنهم "يشعرون بالإهمال والغربة في بلدهم، في ظل الفقر والظروف الصعبة التي يمرّون بها، وافتقادهم لأهلهم وأحبائهم وجيرانهم ومدنهم. مع اقتراب العيد، كل شيء من حولهم يشعرهم بالحزن".
مع ذلك، يبقى هناك أمل. عمر وعلي وصلاح، يجولون في بلدة شقلاوة في كردستان. يتحدثون إلى النازحين ويحاولون التخفيف عنهم، ويقدمون إليهم ما يحتاجونه من خلال تبرعات يحصلون عليها من الميسورين.

في السياق، يقول الناشط عمر الدليمي لـ"العربي الجديد" إنه "على الرغم من الجراح والآلام التي تظهر واضحة على النازحين أثناء جولاتنا الميدانية، إلا أننا نلاحظ أن كثيراً منهم ما زالوا متمسكين بالحياة، ويؤمنون بالتكافل الاجتماعي، ويتشاركون ما يمتلكونه للتخفيف عن بعضهم البعض، على الرغم من فقرهم. وقد أصر بعضهم على الاحتفال بالعيد، علماً أن بعضهم كانوا قد فقدوا عزيزاً أو قريباً". يضيف أن حال النازحين مؤلم للغاية، في ظل الضغوط المادية التي يمرون بها وتوقف المساعدات من المنظمات الأممية التي كانوا يحصلون عليها شهرياً.

وتزداد آلام النازحين كلما اقترب العيد، خصوصاً أولئك الذين يعيشون في مخيمات نائية في الصحراء. يشعر هؤلاء بأنهم منبوذون، ويفتقدون للخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وغذاء ودواء. كثيراً ما يبكي أبو صباح (41 عاماً) حين يرى أولاده يلعبون مع أقرانهم في مخيم بزيبز جنوب الفلوجة بملابسهم الممزقة، خصوصاً أنه عاجز عن شراء ملابس جديدة لهم. يسأل: "ما ذنب هؤلاء الأطفال؟ يأتي العيد من دون أن يكونوا قادرين على امتلاك الثياب الجديدة والألعاب". يضيف: "بالكاد نوفر لهم بعض الطعام للبقاء على قيد الحياة".

بدوره، يتذكر علاء (8 أعوام) أصدقاء مدرسته وأطفال الجيران في مدينته في الرمادي. يتذكر أيضاً ليلة العيد والتحضيرات، وارتداءه ملابس جديدة في الصباح الباكر، قبل أن ينزل إلى الشارع ليهنئ أصدقاءه بقدوم العيد. يبدو علاء حزيناً. يسأل: "متى نعود إلى مدينتنا؟". يقول: "أريد أن أذهب إلى مدينة الألعاب. اشتقت كثيراً لصديقي حامد. كنا نخرج سوياً صباح العيد لتهنئة أصدقائنا. أفتقد كل شيء ولا أريد للعيد أن يصل إلينا في المخيمات".
وتجدر الإشارة إلى أنه عادة ما يجول عدد من الناشطين والإعلاميين والمثقفين على مخيمات النازحين في مختلف المدن، للوقوف على احتياجاتهم ومشاركتهم فرحة العيد، علهم يستطيعون التخفيف عنهم، على الرغم من الألم.

اقرأ أيضاً: لا عيديّات لصغار اليمن