للموت ألف جناح

للموت ألف جناح

28 نوفمبر 2014

تصميم لـِ(فرابيندو زيكنمور)

+ الخط -

البنية الجسدية للإنسان ضعيفة جداً، وهو عرضة للموت، قد تقتله كائنات مجهريه لا تُرى بالعين المجردة، وقد يقتله الحزن الشديد، أو الفرح الشديد، لا فرق. في المحصلة، قد تضع أشياء بسيطة حداً لنهاية الإنسان وبنيته الجسدية الضعيفة. لذلك تروع وتفزع، حينما ترى كمية ونوعية الأسلحة التي حشدت، وتستعمل لقتل والفتك بالمواطن العربي، فإذا كنت في سورية تنهال عليك البراميل المتفجرة من السماء، لتمزقك والأبنية الإسمنتية. هذا إذا لم يأتك صاروخ من أحد الأطراف المتناحرة، إذ يأتيك الموت من كل مكان. وإذا كنت في العراق، إذا لم تمت بالسيارات المفخخة تموت ذبحاً على أيدي داعش، أما إذا كنت في سيناء في مصر، فإنك تُنسف مع جبال سيناء التي ينسفها الانقلاب نسفاً. ولا نستثني ليبيا والسودان واليمن. في المجمل، للموت ألف جناح وجناح، ترفرف على المنطقة. بالتالي، تُستدعى أسئلة مُلحة، لماذا كل هذا الفتك والإرهاب الدموي؟ هل مبعث ذلك لأن الشعب العربي طالب بأبسط حقوقه، وهي استرداد سلطته المسروقة من حكامٍ، يسلبون منه كل شيء، ويعطونه في المقابل بطالةً وفقراً وتخلفاً؟

هل كل هذا القتل والتدمير، لأن الطبقة الحاكمة القابضة على مقاليد السلطة لا تحترم الشعب، وتعتبره كائناً متطفلاً، يريد أن يسلبها السلطة والمال؟ هذا تفسير تؤكده الوقائع، فكلنا يحفظ كلمات رئيس ليبيا المخلوع، معمر القذافي، وهو يسأل: من أنتم يا جرذان. هذا لسان حال الطبقة الحاكمة، إذن.

ولكن، هناك تفسير يبدو أعمق، مع عدم نفيه التفسيرات آنفة الذكر، تقودنا إليه القرائن. سبب ما يحدث من قتل وعنف لا محدود أننا نعايش لحظة مفصلية حرجة في تاريخ المنطقة، وهي بداية انهيار نظام الحكم القديم، القائم على الفردية والسلطة المطلقة، في مقابل سيادة حكم الشعب وتمكين الحقوق المدنية، لأنه من غير المنطقي أن تنهار بنية الدولة القومية، لتبرز الدولة الطائفية، وتتمزق الجغرافيا والتاريخ في المنطقة. وعلى الرغم من هذا الطوفان، تريد سلطة الفرد الشمولية في المنطقة أن تحتفظ بجبروت سلطتها، كما كان وكأن شيئاً لم يكن، وكأن هذا الطوفان حدث في بلاد (الواق واق). واضح أننا أمام صراع بين نظام حكم جديد، يفرض نفسه في المنطقة، بمنطق التطور وتراكم الوعي للأجيال الصاعدة، ونظام حكم قديم عفا عليه الزمن، وأثبت عدم صلاحيته. لذا، يقاتل بكل شراسة وعنف لا محدودين. من حسن الفطن ألا يقاوم أي حزب، أو جماعة شبابية، أو أي تكتل شعبي هذا النظام القديم منفرداً، مهما بلغ هذا التجمع من التأييد الشعبي والتنظيم، لأنه سوف يمزق إرَباً، فالكفة غير متوازنة، لأن هذا الحزب، أو التجمع الشبابي سوف يواجه منظومةً متكاملةً، تستغل كل عوامل القوة الداخلية والخارجية، بلا هوادة، وتستبيح كل القيم الإنسانية، وتستعمل كل أدوات التدمير بمهارةٍ، لا يسلم منها بشر ولا حجر، لأنها لا تريد أن تقتل الشعب وحسب، بل تريد أن تقتل الفكرة، وتريد من الشعب الذي صرخ مطالباً بحقوقه أن يخرس، ويفقد الذاكرة، وأن ينسى شيئاً اسمه سلطة الشعب وحريته، وأن يعود إلى حظيرته، كما كان مهمشاً، بل أذلّ.
إذن، يفرض منطق التطور التاريخي نفسه وبقوة في المنطقة، وتقاومه سلطة حاكمة، متآكلة، تريد أن تظل الأمور كما كانت، ولكن عبثاً، لأن عجلة الزمن تدحرجت.
وواضح من أدوات البطش التي يستعملها النظام القديم في المنطقة أنه يريد استفزاز معارضيه، ليجرهم لقتاله بالسلاح، حتى يصمهم بالإرهاب، وليسخطهم حتى يتركوا استعمال الوسائل السلمية للمطالبة بحقوقهم المشروعة، ويحملوا السلاح في وجهه، وبالتالي، يكونوا سواء. وقد فطن لهذه المكيدة دعاة الحقوق المدنية من قبل، أمثال مارتن لوثر كنج ونيلسون مانديلا، ورفضا الوقوع في الفخ، وهذا طبيعي، فكيف تطالب بحقوق مدنية، بوسائل عنف إرهابية، وتسلك مسلك أميركا التي دمرت العراق والمنطقة، بحجة فرض الديمقراطية. فإذا سقط دعاة التغيير في الفخ، وواجهوا العنف بالعنف، عندئذٍ، يكونون مجرد جناح من أجنحة الموت التي ترفرف في المنطقة.

4749C577-0308-4FE3-AC19-C56F54DD1078
رجاء بابكر

باحثة سودانية، وكاتبة صحفية، وناشطة في منظمات المجتمع المدني.