لبنان أمام شبح "المثالثة"

لبنان أمام شبح "المثالثة"

10 مايو 2014

نصر الله وعون تفاهم على قتال حزب الله بسورية

+ الخط -
"عون أو الفراغ". وعون هو الجنرال ميشال عون، رئيس التيار الوطني الحر، المتحالف مع حزب الله. الرجل مرشح رئاسي لمجموعة 8 آذار، ولحزب السيد حسن نصر الله خصوصاً. وبعض الأذكياء في هذا الفريق يصنفه على أنه مرشح وفاقي، على الرغم من أنه لم يبدر عنه شيء، ينمّ عن توافق ووفاق مع أغلبية شعبه.
حين عقد تحالفه مع حزب الله، قال إنه يفعل ما لم يفعله زعماء مسيحيون من قبل، وهو التحالف مع الشيعيّة السياسية بدلاً من السنّية السياسية. والحال أن الأولى، ممثلة بحزب الله بالذات، تحوز وحدها على السلاح، وتمنح لنفسها الحق في استخدامه داخل لبنان وخارجه، وتقيم سلطة أمر واقع في المناطق التي تسيطر عليها في الجنوب، وفي شرق البلاد، وفي الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، وتمارس ضغوطاً منوعة على بقية المناطق (في صيدا مثلاً).
الشيعية السياسية يقودها السيد حسن نصر الله، والذي لم يكفّ، في السنوات القليلة الماضية، عن التشديد على أن قرار السلم والحرب "بيد المقاومة"، والمقاومة هي حزب الله دون سواه، والسيد نصر الله هو سيد المقاومة. في "إطلالاته" المتعاقبة، منذ نحو عشر سنوات، قلما أتى نصر الله على ذكر رئاسة الجمهورية في بلاده، وحين يفعل، خصوصاً في عهد الرئيس المنتهية ولايته ميشال سليمان، فإنه يخاطبه كفريق بين فرقاء، وليس رئيساً منتخباً لجمهورية لبنان من ممثلي الشعب (البرلمان)، ويحظى بمكانة سياسية رمزية عالية. لم يزر السيد نصر الله قصر بعبدا الجمهوري، ربما لدواعٍ أمنية تقيّد تحركاته، لكن هذه الدواعي لا تمنعه من أن يقصد دمشق، لكي يعقد "اجتماع قمة ثلاثية" مع الرئيسين أحمدي نجاد وبشار الأسد. وحتى في المناسبات الدينية التي دأب فيها الساسة اللبنانيون على تبادل التهاني بالأعياد هاتفياً، فإن السيد نصر الله لا يعمد إلى ذلك. ويكتفي بإرسال موفده، النائب محمد رعد رئيس كتلة نواب المقاومة، إلى القصر الجمهوري، لكي يبسط، هناك، ما يريده وما يقرره حزب الله، ومنها زيارة أداها رعد، محيطاً الرئاسة اللبنانية علماً بقرار الحزب نقل مقاتلين إلى سورية لخوض الحرب هناك، إلى جانب النظام، لأن "سورية رئة المقاومة". وكانت حصيلة الزيارة اعتراض رئاسة الجمهورية على القرار الحزبي، وإصرار الحزب على تنفيذ ما قرّره، بما يعني تجاوز حدود الأرض اللبنانية، والانغماس العسكري العلني (بعد الانغماس المكتوم) لفريق لبناني في أزمةٍ داخليةٍ، تعيشها دولة أخرى.

أبدى ميشال عون، بالطبع، تفهمه هذه الخطوة التي يتم فيها تجاوز ولاية الجيش اللبناني على حدود بلاده، ثم استباحة حدود دولة جارة. وبينما يدافع الجنرال عن الدولة القوية، فإنه يوافق على وضع حزب مسلح خارج سلطة الدولة، وأحياناً، فوق السلطة الرسمية. والجنرال، إلى ذلك، يدافع عن المسيحيين كونه رمزاً مسيحياً، لكنه يوافق على خطط حزب الله لنقض اتفاق الطائف والدستور اللبناني، بالانتقال من مبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، إلى المثالثة (توزيع السلطات بين الطوائف الكبيرة الثلاث: المارونية والسنية والشيعية)، بما يؤدي إليه ذلك من حيازة المسيحيين، كل المسيحيين ممثلين بالموارنة فقط، على ثلث المواقع والمسؤوليات.
وتقوم الخطة، التي يتحدث عنها الوسط السياسي اللبناني، على نشوء فراغ في منصب رئاسة الجمهورية، ثم الدعوة إلى عقد مؤتمر (وطني) تأسيسي، ينتهي إلى وضع تعديلاتٍ على الدستور تقرّ مبدأ المثالثة، فتنتقل حصة الشيعة السياسية من نصف النصف (ربع) وفق مبدأ المناصفة، إلى الثلث، وهو ما يسمى الثلث الضامن، وأفضل درع لهذا الثلث الضامن جيش حزب الله، جيش الطائفة الذي لا يقيّده أحد.
فإذا ما تيسر فرض الجنرال "الوفاقي" عون رئيساً، كان بها. ومن يوصلونه إلى سدة الرئاسة سوف يملون عليه ما يريدون، وإلا الفراغ الذي تملؤه الحكومة القائمة، حكومة تمام سلام مؤقتاً، فيما يملؤه سياسياً مؤتمر وطني تأسيسي، يُشرّع لجمهورية جديدة في لبنان، ولانتخابات نيابية تضع نهاية للمجلس النيابي المُمدّد له، وانتخابات رئاسة لاحقاً تهتدي بمبدأ المثالثة. وفي سائر الأحوال، فإن أي رئيس جديد للجمهورية ينبغي أن يتخذ من حزب الله مرجعية سياسية له، بحيث يكون هناك مرشد سياسي لرئاسة الجمهورية في لبنان، كما في إيران، حيث المرشد هو الحاكم الفعلي، بينما رئيس الجمهورية يتمتع بصلاحيات رمزية.
لهذا، يرفض حزب الله الخطة الدفاعية التي تحدث بها رئيس الجمهورية وسياسيون كثر، بما يدرج قوات حزب الله في خطةٍ دفاعية رسمية للدولة، فجيش حزب الله قائم بذاته وتمويله من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولا يخضع لأية إرادة لبنانية خارج الحزب. ولهذا، يرفض الحزب، أيضاً، أي مناقشة لسلاحه، فالمقاومة أبدية، والهدف تسخير السلاح لممارسة ضغوط سياسية شرسة، كما حدث في 7 مايو/أيار 2007 باجتياح قوات الحزب المنطقة الغربية من العاصمة، ما أدى إلى مصرع نحو سبعين شخصاً من المدنيين.
وبما أن الوضع في سورية "مطمئن"، وبما أن الحلفاء في العراق (نوري المالكي خصوصاً) يتسيّدون المشهد السياسي، وبما أن علاقات الغرب مع إيران هي الأفضل، أو الأقل سوءاً منذ ثلاثة عقود، فإن الظروف مواتية، في تقدير حزب الله، لمواصلة الزحف على الدولة اللبنانية، والاستيلاء على مفاصلها الحساسة. وهذه المرة، باهتبال فرصة الانتخابات الرئاسية بفرض رئيس، أو تدبير مؤتمر وطني، يسمح بتغيير قواعد الحياة الدستورية، وتقويض الركائز التي قامت عليها الدولة منذ الاستقلال عام 1946، وإلحاقها كليّة بنفوذ طهران والنظام في دمشق، وهو ما عبّر عنه السيد حسن نصر الله، في مقابلته مع "السفير" البيروتية في 7 إبريل/نيسان الماضي، في توصيفه الرئيس المقبل، بينما عبّر عنه، أخيراً وبصيغة أخرى، رئيس المجلس السياسي لحزب الله، إبراهيم السيد، بقوله إن "إيران أب المنطقة وأمّها، وسورية قلبها، ولبنان سيفها".