لا تمرضي!

لا تمرضي!

18 ابريل 2020
ماذا أفعل؟ أبتعد؟ هذا ليس خياراً (ماكسيم ماروسنكو/ Getty)
+ الخط -

عندما ظهرت الحاجة إلى وضع كمّامات بسبب كورونا، مددتُ يدي إلى حقيبة أغراض طفلي، فوجدتُها في مكانها بالضبط. ما زالت هنا! ثلاث كمّامات باقية في جيب الحقيبة الأمامي، من أيّام الزكام العادي. كنت أحفظها حتى إذا داهمني الزكام، أخفي وجهي بها عن عائلتي، حتى لا أنقل العدوى إليها.

وجدت هذه العادة طريقها إليّ عندما كنت أرى الرعب على وجه زوجي، من مجرّد فكرة مرضي. كان يقول لي دائماً، ونحن نعيش في غربة عن أهلنا: "لا تمرضي! أرجوكِ لا تمرضي!". في البداية، كنتُ أضحك من هذه الجملة، أظنّها مزحة، حتى أصبتُ بالزكام مرّة. وفهمتُ حجم المسؤولية الجديدة التي تحلّ على كاهل المرأة بمجرّد فعل الولادة. فالخلود إلى الفراش للراحة من المرض، ترف لا تملكه الأمّهات. وفجأة أصبح كلّ ما تناقلته الأمّهات عن الموضوع، كلّ تلك المقالات والصور التي رأيتها على مواقع الإنترنت، حقيقة بالنسبة إليّ. زوجي كان محقاً، أنا، فعلاً، لا أستطيع أن أمرض! أنتِ، مذ تصبحين أمّاً، ستقفين بأنفك الأحمر وحرارتك المرتفعة وجسمك المنهك، لتطبخي وتنظّفي وتغيّري الحفاضات وتدرّسي الأطفال وتلتحقين بدوام عملك في خارج المنزل، إن كان لديك واحد، حتى تعقد الشمس العزم على المغيب. وهو سيجتاحه الرعب، إذا فكّر في أنّ هذه المسؤوليات كلّها، قد تُلقى على كاهله ليوم واحد.

كتبت صديقة لي على حائطها الفايسبوكي مرّة أنّ أحداً لا يعرف معنى جملة "لا تمرضي" أكثر من الأمّ في بلاد الغربة. فلا أهل ولا جار ولا حتى صديق يساعدونك على الاهتمام بالأطفال، إن تلكّأتِ إنتِ ليوم واحد. لا إعفاء من الدوام المنزليّ إذاً، فهل تطلبين عطلة مرضيّة من مديرك في العمل؟ لا، ستفضّلين توفير هذه الأيام إلى حين يمرضون هم، ويتعلّقون بك كما يتعلّق دبّ الكوالا بشجرته. عندها لن تجرئي على تركهم أبداً.

اليوم، داهمنا كورونا. واليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، "لا تمرضي" أيّتها الأمّ. كلّهم معتزلون أو معزولون في غرفهم، وأنت تتنقّلين بين الجميع. وإن حدث لك طارئ، فهل تتخيّلينهم يُحجَرون من دونك؟ ستحلّ شريعة الغاب إن لم تحافظي أنتِ على السلم الأهلي بينهم. ثمّ هناك الخوف عليهم. مع كلّ نفس أتنفّسه إلى جانب طفلي، أخاف أن يكون حاملاً كورونا من دون أن أعرف. ماذا أفعل؟ أبتعد؟ هذا ليس خياراً. أبقى وأخاطر بنقل العدوى؟ هذا أسوأ. ماذا أفعل الآن؟



ونعود إلى الجملة الأساس: "لا تمرضي!". أنتِ بالذات "لا تمرضي!". اغسلي يديك 40 ثانية بدلاً من عشرين، ضعي الكمّامة سواء أكانت ضرورية أم لا، افعلي كلّ ما يطلبونه منك، لكن لا تمرضي! أيّتها الأمّ العاملة في المنزل أو فيه وخارجه، ابقَي بأمان. "لا تمرضي"، ليس لأنّك الجسر بينهم جميعاً ولأنّ على العجلة أن تستمرّ في الدوران، بل لأنّك مهمّة. "لا تمرضي"... انتبهي على نفسك، ليس بهدف عدم نشر العدوى في البيت، بل لأنّك لا تستأهلين المرض.

المساهمون