كابوس الجنون والرعب... شوكان والآخرون

كابوس الجنون والرعب... شوكان والآخرون

22 يوليو 2015
الخيبة وحدها ترافق قضية شوكان (فرانس برس)
+ الخط -
سبع مائة وستة أيام بنهاراتها ولياليها. 706 أيام ينام شوكان ويصحو في زنزانة صغيرة، لا يعرف سبب اعتقاله، لا يعرف تهمته، لا يعرف كيف دخل إلى هنا، ولا متى سيخرج. يبتسم للكاميرا غالباً، في ثياب السجن البيضاء. يرفع علامة النصر من خلف القضيان. يُمسرِح اعتقاله بطريقة تثير الحزن أكثر مما تبعث على الأمل.

قد نتحدّث لساعات عن شجاعة شوكان، قد نصفّق لصموده أمام اعتقال غير مفهوم وغير مبرّر، لكن في الحقيقة المجردة الواقع مرعب: صحافي اعتقل فقط لأنه كان يصوّر "حدثاً أمنياً"، في القاهرة، التي تحوّلت الأحداث الأمنية فيها إلى جزء عادي من حياة الصحافيين.

بعد انتهائه من قراءة كتاب عبد الرحمن منيف: "الآن هنا ــ أو شرق المتوسط مرة أخرى" كتب المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس "كيف نعيش حياتنا اليومية، ونساكن هذا الرعب الذي يتربص بنا هنا... والآن؟ أي صملاخ بليد يحجب عن أسماعنا الصراخ والأنين، كي نواصل نومنا كل ليلة! أية ذاكرة مثقوبة تلك التي تتيح لنا أن نتناسى الآلاف الذين يهترئون
في السجون هنا... والآن! هذا العار يكاد يلامس حدّ التواطؤ، من خوفنا وغفلتنا، وصمتنا يغزل الجلاد سياطه...".

لن نقول إننا كلنا شركاء في الجريمة، لأن الواقع ليس كذلك، لن نقول إنّ "الساكت عن الحق شيطان أخرس".. فلا وضع شوكان، ولا وضع الصحافيين في العالم العربي يحتمل هذا "الرخص" في المقاربة ولا استعادة كليشيهات كانت تليق بتسعينات القرن الماضي. لكن التطبيع مع كل هذا الظلم ليس طبيعياً، دخولنا في دائرة الاستنكار، الغضب، الخوف، ثم الصمت ليس بدوره طبيعياً.

في الخارج، خارج الزنزانة، وخارج "البوكس" الذي ينقله ذهاباً وإياباً من السجن إلى المحكمة لتلقيه قرار تجديد حبسه، تستمر الحياة، ببساطة تفاصيلها. لم يشاهد شوكان انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً للجمهورية، لم يشهد الصراع بين جمهوري الأهلي والزمالك الأخير، لم يشاهد النسخة الجديدة من مسلسل "بكار"، ولا الرقص الهستيري على "بشرة خير"... سرقوا منه حقه البديهي بمتابعة الحياة بتفاهتها، ومللها. سرقوا حقه في الحياة.

في يوم اعتقاله الست مائة، كتب شوكان: "600 يوم، هذا كثير أنا صحافي ولست مجرماً... ساعدوني"، بهذا العجز يخاطبنا شوكان. قد نتكلم عن البطولة والصمود والكرامة وثمن الحرية، واستكمال الثورة... نهرب إلى زاوية الثورة الدافئة، لنطبطب على خوفنا، ولنواسي عجزنا ونبرّره. لكن الواقع مختلف تماماً، شوكان صحافي معتقل، لأنه كان يصوّر مذبحة. تخاف الأنظمة من التوثيق، تخاف من الصورة: ألم يحرقوا صور وفيديوهات التلفزيون المصري التي صورت مذبحة "ماسبيرو"؟ ألم يحجبوا مواقع، ويمنعوا صوراً، ويصادروا صحفاً؟

الخيبة وحدها ترفرف فوق قضية شوكان... خيبة سترافقه وترافقنا بعد خروجه من الزنزانة، غداً أو بعد غد. شوكان، وجه واحد لأسماء كثيرة: جايسون رضايان، مازن درويش، رائف بدوي، عبدالله الفخراني، محمد العدلي... "من خوفنا وغفلتنا وصمتنا تغصّ بنا السجون، تغدو الحياة هنا والآن كابوساً من الجنون والرعب"، كتب ونوس في استكمال قراءته لـ"الآن هنا". إنه كابوس الجنون والرعب.


اقرأ أيضاً: عام على سجن جايسون رضايان: أمل بالإفراج قريباً

المساهمون