في الخروج على الذات

في الخروج على الذات

25 يناير 2018
+ الخط -
ما أقصده بـ"الذات" هنا ليس الذات ككيان ميتافيزيقي متفرد متعالٍ على الواقع، على العكس أقصد الذات بكل خيوط الواقع التي تشكلها، لأن الذات بالمعنى الأول ليست موجودة أساساً.

فيكون معنى الخروج على الذات هو خروج على مكتسباتها إن صح التعبير، أو إعادة فرز كل القيم والأفكار التي شكلتها - التي شكلت الذات - ثم صياغتها من جديد. وحتى يكون الكلام مفهوماً فأنا أقصد نظرة الذات لذاتها وللآخر، ما تعتنقه من أفكار ومفاهيم (الله - الدين - القيم - الحياة - الموت.. إلخ).

أولاً أود التفريق بين نوعين من الخروج برأيي: "الخروج السلبي" و"الخروج الإيجابي". الخروج السلبي هو الذي يحدث كرد فعل انقلابي على معتنقات الذات، بحيث إن الذي يحصل هو مجرد انتقال الذات من جهة إلى أخرى من دون أن تكون الذات قد وعت نفسها أولاً، أو قيمت مكتسباتها الأولى لتبقي ما هو صالح وتطرح ما ليس بصالح.

ما الذي اختلف في المؤمن الذي ألحد، مثلاً، بعد قراءة كتاب أو اثنين لريتشارد دوكينز؟! هذا مثال على الخروج غير الممنهج (السلبي). فهو بالأساس رد فعل عنيف تتوهم فيه الذات أنها قلبت كل أفكارها لكنها في الحقيقة لم تفعل سوى أنها غيرت جلدها، لأن الأفكار الممتدة في الذات ليست كائنات فوقية يمكن التخلص منها بمجرد رفضها، وإنما شبكة معقدة ومتداخلة تضرب بجذورها في عمق التأريخ (لأن عمر الذات في الحقيقة هو بعمر أقدم الأفكار التي تشكلها، فالذي يستلهم، مثلاً، شخصية النبي محمد، فإن عمر ذاته يتجاوز 1400 سنة!) ومن أصعب الصعاب قطعها.

أما الخروج الإيجابي، فإن أول خطوة في الطريق إليه هي معرفة الذات وكل الأفكار والقيم والصور والخيالات التي تدخل في صلب تشكيلها. ثم، كخطوة ثانية، محاولة تقييم كل هذه المدخلات، وهنا يتدخل "الآخر" بصفته الحدود التي ترسم معها الذات حدودها، ولكن هنا ينبغي القيام بخطوة ثالثة وهي إعادة صياغة نظرة الذات للآخر، والتخلص من منهجية "نبذه" إلى منهجية "فهمه"، وهذا يعني تطبيق الخطوتين اللتين طبقناهما سابقاً على الذات مرة أخرى ولكن هذه المرة على الآخر، بعد ذلك تعيد الذات ربط نفسها بالأفكار والقيم التي ترتضيها، والتي قد يكون بعضها مكتسب من الآخر، فمنهجية الحدود الفاصلة بين الذات والآخر قد انقلبت إلى منهجية الحدود المتداخلة، بمعنى آخر لم يعد الآخر يمثل الحد الذي تتوقف الذات عنده وتنكفئ على نفسها؛ وإنما يمثل مساحة أخرى يمكن للذات دخولها بعد أن فهمتها و قيمتها.
09AFC7C7-AA33-41CB-83DB-F34125594AA0
حسين جبار

مواليد بغداد، مهندس حاسبات وبرمجيات. كاتب وشاعر مهتم بالفلسفة والتأريخ ودراسات الأديان والعلوم الإنسانية. نُشرت لي مقالات وقصص وأشعار باسم حسين جبار وحسين المسلم. يقول: أنا لست شاعرا ولا عاشقا ولست حتى عابرا، أنا لست إلا شاهدا في جسد العالم المريض، أمشي حاملا مدونتي، أسابق آفة الزمن، أسبق مرة حاضري ويسبقني مرة الماضي، أنا في الحكاية سطر هامشي لكنه يحمل المعنى الخفي.

مدونات أخرى