عن الثقافة

عن الثقافة

19 فبراير 2018
+ الخط -
من العبارات التي تتردّد كثيراً على الألسنة، والتي تعبر عن الإحباط الذي نعانيه في معظم مجتمعاتنا العربية بسبب وجودنا في أدنى سلم الارتقاء الحضاري، هي عبارة "مجتمع غير مثقف".

والمغالطة التي يقع فيها هذا التقرير هو أنه يقرر المستحيل، إذ ليس هناك مجتمع غير مثقف! فالمجتمعات التي لم تستطع حيازة "الحد الأدنى الثقافي" الذي يكفل لها الاستمرار الوجودي أسلمت نفسها للانقراض، ولكن العبارة لا تسكت عن هذا فقط، فهي تنكر على المجتمع ثقافته لأن هذه الثقافة - في ضوء تلك العبارة - ليست على المستوى المطلوب.

وبما أن هذا الحكم القيمي يحتاج بطبيعة الحال إلى وجود ثقافة معتبرة كمقياس للحكم، فإن هذه الثقافة المسكوت عنها هي "الثقافة الغربية".


وإذا نظرنا للحضارة كما أعرفها على أنها قدرة أمة من الأمم على بسط نفوذها الثقافي في أوسع رقعة ممكنة، فسنرى أن هناك على الساحة العالمية اليوم حضارة واحدة فعلت ذلك: هي الحضارة الغربية المتأمركة.

وإذا استعرت وجهة نظر الدكتور جورج طرابيشي، فإن محاولة تجاوز هذه الحضارة خلال المدى المنظور لا تبدو خيارا مطروحا، ويتبقى على الثقافات الهامشية أن تجدد نفسها، ليس بمعنى محو خصوصيتها لتماثل الثقافة الغربية - فهذا يعني في التحليل الأخير الانتحار - ولكن التجديد بمعنى بعث الخيارات والقوى الخلاقة من داخلها - من داخل الثقافة - لتعطي لنفسها إمكانية التمفصل مع تلك الحضارة.

ولكن أول الغيث قطرة، وأول خطوة في طريق الثقافة لهذا التمفصل هو أن تعترف لنفسها أولا وقبل كل شيء بأنها ثقافة!
09AFC7C7-AA33-41CB-83DB-F34125594AA0
حسين جبار

مواليد بغداد، مهندس حاسبات وبرمجيات. كاتب وشاعر مهتم بالفلسفة والتأريخ ودراسات الأديان والعلوم الإنسانية. نُشرت لي مقالات وقصص وأشعار باسم حسين جبار وحسين المسلم. يقول: أنا لست شاعرا ولا عاشقا ولست حتى عابرا، أنا لست إلا شاهدا في جسد العالم المريض، أمشي حاملا مدونتي، أسابق آفة الزمن، أسبق مرة حاضري ويسبقني مرة الماضي، أنا في الحكاية سطر هامشي لكنه يحمل المعنى الخفي.

مدونات أخرى