عن مجلدات عبدالله الطائي

عن مجلدات عبدالله الطائي

21 يونيو 2020
+ الخط -
قراءة الأعمال التي تركها الأديب العماني، عبدالله الطائي، بمثابة سباحة في تيارٍ من المشاعر السياسية والقومية، والوشائج المشتركة التي كانت تعتمل بين محيط العالم العربي وخليجه، في خمسينيات القرن العشرين وستينياته. صدرت هذه الأعمال، أخيرا، في ستة مجلدات، عن دار فضاءات في عمّان، اهتمت بجمعها ابنته، الكاتبة عزيزة الطائي، وقدّم لها ابن أخيه الشاعر سماء عيسى.
لا يمكن الحديث عن عبدالله الطائي إلا وهو شاب، فقد رحل عن دنيانا دون سن الخمسين (توفي في عام 1973). تنقل بين العراق وباكستان والبحرين والكويت، وحين عاد إلى موطنه، عيّنه السلطان القابوس وزيرا للعمل والإعلام. كان في حياته القصيرة مشدودا إلى التعليم والتعبير عن المشاعر الوطنية والقومية، وهو ما تعكسه قصائده ومقالاته، وكذا إبداعه النثري المنفتح على الأشكال التعبيرية الجديدة. وبذلك لا يقل أهمية في السياق الإصلاحي عن إصلاحيين تنويريين معروفين، كمحمد عبده وطه حسين وعلال الفاسي.
تعد أعمال الطائي، وخصوصا مقالاته عن شعراء الخليج واليمن، سجلا ومرآةً عاكسةً لطبيعة التفكير القومي الذي كان يسود فترة مهمة من الزمن العربي، لنكتشف أن الشعر في الخمسينيات والستينيات تجاوز أن يكون ديوانا للعرب إلى إرشيف وجداني وواقعي لحياة الأمة، شكل فيه نشدان الاستقلال من ربقة الاستعمار، وقضية فلسطين لحمة هذا الوجدان وسداه. وكان الشعر يغلب على تفكير عبدالله الطائي، وبالتالي تفكير تلك المرحلة، بناءً ولغةً؛ فهو حتى في فنونه النثرية، كالرواية والقصة، بدا متدثرا بالشعر، صياغة وأسلوبا.
يجد القارئ ضمن المجلدات كتاب "تاريخ عُمان السياسي"، المكتوب بأدوات سردية توثق التفاصيل، متجاوزا بذلك الطريقة "الكرونولوجية" في تسطير الأحداث المفصلية، والقفز على التفاصيل. نجد مثلا حضورا للنساء، كقصة الملكة العُمانية شمساء مع ملك العراق، سرجون الأكادي؛ فحين هجم الفرس طمعا في الاستيلاء على النحاس، كتبت إليه رسالة موجزة، لا يمكنها أن تخطئ عقله وقلبه، تقول فيها: ".. فإن كنت مأكولا فكن أنت آكلي". إلى جانب تفاصيل عن السيدة موزة بنت أحمد البوسعيدي، ودورها في تعيين سعيد بن سلطان، بدل أخيه الأكبر سالم. كما يقف القارئ على ثبتٍ بالتواريخ، تدلّ على حرصه في ذكر كل ما يعرفه، فكان مثلا تصرّفه ذكيا في إيراد جدولٍ بمسميات القبائل والعائلات التي كانت تحكم أهم الولايات العُمانية قبل الغزو البرتغالي لعُمان في القرن السادس عشر، وهو ما مهّد للاحتلال، لأنه لم تكن توجد دولة مركزية، إنما قبائل مشتتة، الأمر الذي دفع العُمانيين، نتيجة ذلك الوهن، إلى السعي إلى الوحدة تحت راية كيانٍ متماسك، استطاعوا به مواجهة الأطماع الخارجية، فتشكّلت بذلك دولة اليعاربة.
ومما يدل على انتباه الطائي، وعلوّ كعبه اللغوي، ملاحظته أنه لا يمكن أن يكون الفرس قد سمّوا عُمان قديما مزون، وذلك لأن مزون ليست اشتقاقا لغويا فارسيا، إنما اشتقاق عربي، يدل جذره على المُزْن أي السحُب. وفي المجلدات، نجد تفاصيل عن شعراء الخمسينيات والستينيات، أفرد لبعضهم فصولا، كإبراهيم العريض وصقر القاسمي وفهد العسكر الذي جاء عليه مرتين في صفحات المجلدات، دلالة على قيمة شعره. وقد اعتزل العسكر الناس في آخر أيامه إلى أن مات، يقول: وهناك منهم معشر/ أف لهم كم ضايقوني. هذا رماني بالشذوذ/ وذا رماني بالجنونِ. الله يشهد لي/ وما أنا بالذليل المستكين. يا قوم كفو دينكم/ لكم ولي يا قوم ديني.
ويسجّل الطائي انطباعات ملفتة عن شعراء كانوا صغارا في السن في ذلك الوقت، مثل غازي القصيبي وعلوي الهاشمي. وإلى جانب مقالاتٍ عن إبراهيم ناجي، ورد فيها ذكر لأم كلثوم، وحديثٍ عن المفكر الجزائري مالك بن نبي الذي كتب عنه مقالا "مفكر جزائري يضع خطوطا للمستقبل العربي". وفي المجلد المتعلق بقصائده، نجد سجلا تفاعليا مع مختلف المشاعر القومية والوطنية في ذلك، مثل قصيدةٍ كتبها في أبطال بورسعيد ضد العدوان الثلاثي، وقصيدة من ثلاثين بيتا بعنوان "شرف الأحرار، تحية للملك المجاهد محمد الخامس إثر نفيه"، إلى جانب قصائد عن فلسطين، منها "فلسطين أمام الجدار" و"رسالة من يافا".
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي