عن صورة السعودية وخطواتها الآسيوية

عن صورة السعودية وخطواتها الآسيوية

02 مارس 2019

بن سلمان ورئيس الوزراء الهندي قبل مباحثاتهما (20/3/2019/فرانس برس)

+ الخط -
إثر تزايد الضغوط الخارجية على الرياض، بشأن ملفات سياسية وقضايا حقوقية، خصوصاً قضية اغتيال الصحافي، جمال خاشقجي، اندفع ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، إلى القيام بجولة آسيوية، شملت باكستان والهند والصين، في أهم ظهور دولي له منذ قمة العشرين في بيونس آيرس في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
هدف الجولة إذاً تجاوز "عزلة بن سلمان" المتصاعدة في دول الغرب، التي بدأ نفرٌ من نخبها السياسية والبرلمانية والإعلامية والحقوقية يطرحون أسئلة وأفكاراً تشكّك في قيمة "التحالف" مع بن سلمان بعد جريمة اغتيال خاشقجي التي فتحت أعين كثيرين على بشاعة السلوك السعودي و"عبثيته"، خصوصاً في الحرب على اليمن.
قد تفتح هذه التفاعلات الدولية الباب، في المدى المنظور، أمام فكرة "معاقبة السعودية"، سواء على الصعيد الأميركي أم الأوروبي. وبسبب مأزق علاقاتها مع دول الغرب عموماً، ومع المؤسسات الأميركية والأوروبية خصوصاً، عادت الرياض إلى سياسات تحسين الصورة والعلاقات العامة، عبر ثلاث خطوات مترابطة: تعيين ريما بنت بندر بن سلطان سفيرة للسعودية لدى أميركا، في مفارقةٍ لافتة مع وضع النسويات والحقوقيات المعتقلات في سجون المملكة. تعيين خالد بن سلمان نائبا لوزير الدفاع، بهدف حمايته من تداعيات قضية خاشقجي، مع إحكام سيطرة آل سلمان على مقاليد السلطة، واجتذاب بعض أمراء آل سعود من ذوي الخبرة لدعم بن سلمان (مثل بندر بن سلطان، وتركي الفيصل، وخالد الفيصل). مشاركة الملك سلمان في القمة العربية - الأوروبية في شرم الشيخ، للتأكيد على الحضور السعودي عربياً وإقليمياً ودولياً، رداً على اشتراط عدم حضور بن سلمان القمة.
ولئن كان صحيحاً أن جولة محمد بن سلمان الآسيوية كان لها أهداف اقتصادية/ استثمارية/ دعائية يصعب إنكارها، فإن غرضها الرئيس يبقى سياسياً على الأرجح؛ إذ يخشى من تخلي واشنطن وعواصم غربية عنه في ظل وضع سعودي غارق في "أزماتٍ مزمنة مستعصية على الحل"، في ظل تمسّك الملك بولي عهده ومشروعه "رؤية 2030".
ولهذا أراد بن سلمان توجيه رسالة للغرب، مفادها بأن ثمة حلفاء كباراً من وزن الصين والهند، 
يرحّبون به وباستثمارات بلاده، من دون أحاديث مزعجة عن "الملف الحقوقي السعودي". بل ثمّة مجال لمقايضاتٍ سياسيةٍ عبر تخلي الرياض عن مسلمي الصين، واعتباره "شأناً داخلياً صينياً"، مقابل صمت بكين عن اغتيال خاشقجي، بوصفه "شأناً داخلياً سعودياً"، تماماً مثلما فعلت الرياض مع قضية مسلمي الشيشان، بعد وصول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى سدة الرئاسة أواخر عام 1999.
وثمّة أربع ملاحظات على هذه الجولة الآسيوية: أولاها أهمية السياق الدولي والإقليمي الذي سبقها، بدايةً من مؤتمر وارسو، 13 و14 فبراير/ شباط الماضي، مروراً بهجوم زاهدان ضد عناصر من الحرس الثوري الإيراني (13/2/2019)، وانتهاءً بمؤتمر ميونخ للأمن الذي أبرز تصاعد الخلافات الأميركية - الأوروبية. وهو سياق أميركي/ إسرائيلي/ سعودي، تصعيدي ضد إيران، ما دفعها إلى إرسال وزير خارجيتها، محمد جواد ظريف، إلى الصين، استباقاً لزيارة بن سلمان لها، وتأكيداً على تمتع إيران بدعم روسي/ صيني/ أوروبي، في مواجهة ضغوط واشنطن/ تل أبيب/ الرياض.
ثانيها: لا تعكس هذه الجولة لا "سلوكاً سعودياً جديداً"، ولا "توجهاً استراتيجياً نحو آسيا". وعلى الرغم من ارتباط توقيتها بأزمة علاقات الرياض مع دول كثيرة في الغرب بعد اغتيال خاشقجي، فقد دأب قادة السعودية، خصوصاً بعد أحداث "11 سبتمبر" في 2001، على "التلويح" بورقة تدشين علاقات أقوى مع روسيا والقوى الآسيوية، كلما توترت العلاقة مع واشنطن والعواصم الأوروبية.
بعبارة أخرى، لا تعبّر العلاقات السعودية - الآسيوية عن "شراكة استراتيجية"، بل هي "علاقة نفطية/ اقتصادية/ تجارية في طور التوسع الكمّي والنوعي"؛ إذ لا توجد، حتى الآن، "استراتيجية سعودية متكاملة"، أو "توجه حقيقي"، للاستفادة من تنويع العلاقات الخارجية، بهدف توسيع الخيارات والبدائل أمام المملكة التي تبقى، في أغلب الأحيان، متوائمة مع التوجهات الأميركية - الأوروبية، وإن نطق خطابها بغير ذلك، لأسبابٍ تكتيكية.
ثالثها أنه يجب التدقيق في أرقام الاستثمارات والصفقات والاتفاقيات السعودية في هذه الجولة، في ظل أمرين؛ أحدهما أن هناك دعايةً ملحوظة تصاحبها، وتعمل على تضخيم نتائجها، من 
قبيل تصريح بن سلمان بأنه "يرى فرصاً استثمارية بأكثر من 100 مليار دولار في الهند خلال العامين القادمين"، والآخر أن الاقتصاد السعودي يعاني وضعاً صعباً، قد يعرقل تنفيذ رؤية 2030، التي تحتاج إلى تمويل واستثمارات هائلة، إلى حد دفع السلطات إلى القيام في عام 2017 بحملة اعتقالات "الريتز كارلتون" التي أضرّت كثيراً بصورة البلاد وسمعتها.
هذا فضلاً عن التضييق على خروج المستثمرين السعوديين بأموالهم، والإصرار على دور كبير للقطاع الخاص، على الرغم من فقدانه نسبة من العمالة الوافدة التي غادرت البلاد، هرباً من ضعف الأجور وغلاء المعيشة وزيادة الضرائب.
رابعها أن علاقة الرياض مع إسلام آباد، على أهميتها، لن تعوّض الرياض عن تدهور علاقاتها بالقوتين الإقليميتين الكبيرتين، تركيا وإيران. وقل مثل ذلك عن التقارب السعودي مع إسرائيل الذي لا يعوض الرياض خسارتها الكبيرة في علاقاتها العربية، وجديدها الأزمة مع المغرب؛ إذ لا تزال ماثلة في الأذهان مظاهرات الاحتجاج على زيارة بن سلمان تونس والجزائر وموريتانيا، ما يطرح أسئلةً عن أسباب إلغاء زيارة بن سلمان ماليزيا وإندونيسيا، وتأجيل زيارة باكستان يوماً واحداً.
ثمّة حدود وسقوف للعلاقات السعودية مع باكستان والهند والصين، وهي دول كبيرة مقارنةً 
بالسعودية، ولن تنساق خلف أجندة بن سلمان، فهؤلاء حريصون على علاقاتٍ متوازنةٍ في الشرق الأوسط، وخصوصاً مع إيران المنافس اللدود للرياض إقليمياً.
وختاماً، يبقى مهماً التريث قليلاً قبل تقييم مدى نجاح هذه الجولة الآسيوية، فلربما يتضح لاحقاً أنها لم تنجح في إنقاذ سمعة بن سلمان، ولم توقف تراجع مكانة السعودية في الشرق الأوسط الجديد الذي يُعاد تشكيله حالياً، لأن الأمر يتعلق بعوامل هيكلية، أبرزها انعدام الرؤية الاستراتيجية لدى هذه القيادة الشابة المستعجلة، سواء في السياسات الخارجية أم الداخلية. وبغض النظر عن الآمال العريضة خلف هذه الجولة، فإن المحكّ هو في درجة "مصداقية النظام السعودي" التي يبدو أنها تتناقص تدريجياً، بسبب جريمة اغتيال خاشقجي، وغيرها من الخطايا.
ولذا، ربما لن تغيّر هذه "الالتفاتة السعودية شرقاً"، فضلاً عن سياسات تحسين الصورة والعلاقات العامة، كثيراً في طبيعة مأزق بن سلمان؛ إذ تحتاج الرياض لإدراك أن شيئاً لن يتغير من دون خطوات تغيير حقيقية، تقرّ بوجود أزمة، وضرورة محاسبة صانعيها سريعاً، لتجنب الأسوأ.
C74992A8-A105-4EE2-85DA-EDD34A643EDE
C74992A8-A105-4EE2-85DA-EDD34A643EDE
أمجد أحمد جبريل

باحث فلسطينيّ مُتخصِّص في الشؤون العربية والإقليمية، له كتاب عن "السياسة السعودية تجاه فلسطين والعراق"، صادر عن مركز "الجزيرة" للدراسات، وعدد من الدراسات المحكمة المنشورة في الدوريات العلمية.

أمجد أحمد جبريل