عن انتقاد الحكومة في زمن كورونا .. الجزائر نموذجاً

عن انتقاد الحكومة في زمن كورونا .. الجزائر نموذجاً

12 ابريل 2020
+ الخط -
معروفٌ أن الانتقاد في زمن الأزمات يخفت، بل يختفي، لأنّ الحاجة الملحّة هي لرصّ الصّفوف واستدعاء لوازم الوحدة الوطنية باستخدام الشّعارات، والتّجارب التّاريخية المجتمعية، والاعتماد على الصّور التمثيلية للتناسق الاجتماعي، خصوصا في الظروف الصّعبة. في زمن الجائحة، كورونا، علينا أن نكون متّحدين، وأن يكون خطابُنا واحدا، لا تهويل فيه ولا تهوين. ولكن، بسبب أنّ إدارة الجائحة بشرية بأدوات يتصرّف فيها بشرٌ بمقاربات مختلفة، انطلاقا من رؤى متباينة لفعّالية تلك الإدارة، الأدوات أو المقاربات، فإن الانتقاد ممكن، وهو ليس موجّها للعصف بالمجهود الوطني لمواجهة الجائحة، بل سعيا إلى تصويب عوامل التّسيير، بهدف الخروج الآن، بأقلّ الأضرار، من الفترة الوبائية الحرجة. وقد تكون بعض النقائص حاضرةً لتنغّص كفاءة المواجهة وفعّاليتها، وقد تغيب بعض العناصر والمعطيات التي تمكّن من التّسيير الجيّد للفترة الحرجة، كما أنّ بعض القرارات قد تُتّخذ، في زمن الأزمة، بسرعة، يمكن تصويب خطئها إذا ثبت عدم صحّتها. وهذه كلّها أسبابٌ تستدعي الحديث بصوت عالٍ، يصل إلى آذان المسؤولين، ليس انتقاصا/ نقدا لهم ولعملهم، بل مشاركة في المواجهة، في إطار عمل جماعي، ولهدف مجتمعي، إنقاذي، حتما. 
إنّه، باختصار، في كلمة واحدة، الانتقاد البنّاء، بل الواجب الوطني، بكلّ ما يحمله من مضمون الإخلاص لأبناء بلده، ولكن من مدخل الانتقاد، وليس من باب السّكوت عن الحقّ، ذلك أنّه لا يجب تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما يقول الأصوليون، في واحدةٍ من القواعد الأصولية الأكثر إبرازا للواقع الذي نعيشه، بكل أبعاده.
ماذا نرى في الجزائر، الآن، في البلدان التي وصلت إليها الجائحة، وتضرب فيها، بقوّة، من حيث عدد المصابين أو الموتى، وهي من هي في كفاءة منظومتها الصّحية وفعاليتها، على غرار دول قريبة منّا، في الضّفة الأخرى من المتوسّط، فرنسا وإيطاليا وإسبانيا، باعتبارها عينةً يمكن 
الاعتماد عليها للحديث في الموضوع؟ شاهدنا في الجزائر، منذ الوهلة التي أُعلن فيها عن الإصابات الأولى من الفيروس، انتقاداتٍ مُوجّهة للإجراءات الاحترازية المُعلنة، هنا وهناك، باعتبار أنها لم تُتّخذ في الوقت المناسب، أو أنها لا تتناسب مع عظم تداعيات الجائحة، وعلى المستويات كافة، بل شاهدنا، في فرنسا، مثلا، انتقادا، سيكون له ما يعده، لعدم السرعة في اتخاذ تلك الإجراءات، لأنّ البلاد كانت قد تلقت تقارير، منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، حول قدوم عاصفة وبائية، محتملة القوة، يجب التجهيز، بكل فعالية، لمواجهتها، وكيف أنّ تلك الانتقادات لم تلق الآذان الصّاغية، في انتظار أن تتحوّل إلى قضايا تُرفع على الحكومة بعد نهاية الجائحة. كما شاهدنا، في إيطاليا وإسبانيا، مثلا، أيضا، كيف أنّ المنظومة الصحية لم تكن في مستوى المواجهة للجائحة، وكيف أنّ الانتقادات ما فتئت تكبُر، يوما بعد يوم، لأنّ الإجراءات المُتّخذة كانت بعيدة عن إدراك حجم الكارثة، كما أنّ الاحتراز من تداعيات الإصابات والعدوى لم تكن في الوقت المناسب، لتكون النتيجة حصيلة في عدد الموتى بالآلاف، وعدم كفاية الأسـرّة وأجهزة الإنعاش، وكأنّ البلدين من العالم الثّالث، ينتظران المساعدة من الخارج.
من ناحية أخرى، انصبّت الانتقادات على طريقة التّواصل لشرح الإجراءات، مقاربة إدارة الأزمة وتداعياتها، إضافة إلى القرارات الخاصة باحتواء آثار الجائحة على التوقف شبه التام للاقتصاد، وهي انتقادات لم ينظر إليها خروجا عن الوحدة الوطنية، الانسجام الاجتماعي، أو كبحا لإرادة السّلطات في المواجهة، بل نشر رؤية أخرى ومقاربة تساعد السلطات في التكفل الأفضل بالجائحة، وما يحيط بها من كلّ الجوانب.
بالعودة إلى النموذج الجزائري، الانتقاد واجب في الإطار أعلاه، بالنظر إلى واقع المنظومة الصحية الكارثية، وإلى إشكالية الإصلاحات التي لم يكن لها وجود في لغة الحوكمة التي طبقها النظام، وعلى أساسها، وبسببها، قام الحراك، وهي من أسباب القيام بواجب الانتقاد/ التعليق، وفي إطار الرأي والرأي الآخر، إذ سيكون ذلك كله مفيدا لإدارة هذه الفترة الحرجة في تاريخ الجزائر والإنسانية كلها، خصوصا أنه أصبح في وسع الناس، بتوفر وسائل الاتصال الحديثة والوسائط الاجتماعية، مقارنة المقاربات التسييرية للجائحة، ويصبّ ذلك كله في صالح البلاد. وتؤدّي تلك الانتقادات إلى تحسين مستوى الخدمات، اكتشاف النّقائص، نقل الواقع كما هو، ولفت الأنظار إلى كلّ ما من شأنه تحسين إدارة الجائحة بالوسائل، والأدوات والمقاربات غير التقليدية، في زمن العولمة الوبائية، غير التي اعتاد النّظام على استخدامها في عمله، ما لا يمكنه تحقيق نتائج في التعامل العقلاني والأمثل مع أزمةٍ ستنتهي حتما، ولكن بأية نتائج على الجزائر، إذا لم تتوفّر تلك الوحدة الوطنية، في إطار العمل الجماعي، وبأداة الانتقاد البناء المجتمعي.
بالنّتيجة، انتقاد العمل الذي يتمّ لاحتواء الجائحة واجب وطني، لأنّ نقل الواقع كما هو، بهدف 
توجيه الأنظار إلى ما يجب القيام به، هو مساهمة في تحسين كفاءة الخدمة العمومية الصحية وفعاليتها، وما يصاحبها من تكفل اقتصادي بالفئات المهمّشة، المتأثّرة من جرّاء الحجر الصّحي، والتوقف شبه الكلي للنشاط الاقتصادي. ولننظر إلى فوائد ذلك الانتقاد واقعيا، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ابتكر المجتمع المدني الكمّامات واللباس الخاص بالطواقم الطبية والممرّضين في المشافي التي لا تتوفّر على تلك الأدوات، وعمل على إيصالها إلى المحتاجين لها، فهل ذلك مساعدة لتحسين كفاءة الجهاز الصحي العمومي وفعاليته، أم هو انتقاد لتلك النقائص؟ لننظر، أيضا، إلى العمل التطوّعي في تصنيع بعض الموادّ الطبية الناقصة في السّوق، بفعل الحاجة لها، في هذه الفترة، بالذات، والتي تساهم في تطويق الفيروس. ولننظر، كذلك، إلى العمل التطوعي لإيصال المواد الأساسية للفئات المعوزة المعزولة، والتي تجد صعوبة في توفير تلك الحاجيات، وقد تدعوها الحاجة إلى الخروج للوصول إليها، وتتسع دائرة الوباء، بسبب ذلك، ألا يكون توفير ذلك كلّه من المساعدة في احتواء الجائحة، والتّقليل من أضرارها، على الرّغم من النّقائص التي نجدها في واقعنا الصّحي والاقتصادي، ولكننا نضعها على الهامش، لنتفرّغ، أساسا، لمواجهة الفيروس والتغلّب عليه توافقيا ومجتمعيا.
شاهدنا الصّور والفيديوهات العديدة للهبّة التضامنية في الجزائر مع الطواقم الطبية والفئات المعوزة في المجتمع، إضافة إلى العمل التواصلي، الحقيقي والافتراضي، لإقناع الناس بفائدة الحجْر الصحي الذي أقرّته السلطات في مدنٍ بعينها اجتاحها الوباء، وكلّها نشاطات انتقادية، ولكنه الانتقاد الإيجابي الذي لا يضع أياديه على النقائص، ليتحدّث، بسببها، عن الشرعية، والنخبة التي تدير الجائحة أو المؤسسات، بل العمل كله منصبٌّ على مساعدة النظام في إدارته المجتمعية للوباء، بما يخدم البلاد في احتواء الفيروس، وإخراجها منه بأقلّ الأضرار.
هل السّلطة في حاجة إلى هذه الانتقادات، أم أنّها ستعمل، وحدها، وهي غير قادرة على ذلك، البتة، لاحتواء الجائحة وتحقيق الانسجام المجتمعي، بعنوان الوباء، لإنقاذ الجزائر؟ المجيب على هذا السؤال، من النّظام أو من الجانب الآخر، في حاجة إلى تعريف الظرف الذي نعيشه، وعليه أن يفكّر في المستقبل القريب، عندما سيُحاسب الجميع على مواقفه في أثناء هذه الجائحة.. إنّه الخطاب الذي على الجميع الإصغاء له، وهو التعريف العقلاني للانتقاد المجتمعي في زمن الجائحة، زمن كورونا.