عندما يحاول "العدالة والتنمية" استعادة إنجازاته

عندما يحاول "العدالة والتنمية" استعادة إنجازاته

14 يونيو 2020
+ الخط -
بدأ حزب العدالة والتنمية التركي تخطيط استراتيجية سياسية جديدة، بعد إعلان منشقين عنه تأسيس أحزاب إسلامية منشقة، ليغير سياسته تجاه الأحزاب المعارضة، ولاستعادة نجاحه وقوته السابقة إبان فتراته الذهبية كما توصف. يبدو أن السبب الرئيسي لذلك التغيير قدرة هذه الأحزاب السياسية على جذب شريحة متدينة من المجتمع التركي، كان يحتكرها الحزب الحاكم منذ سنوات طويلة، والذي يبدو (أيضا) أن ما يقلقه هو اهتمام الجمهور بالزعيمين، أحمد داود أوغلو وعلي باباجان، في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد انشقّا عنه. باختصار، لا يريد رئيس الحزب ورئيس الجمهورية، أردوغان، ترك الأمور للمصادفة، في حال إجراء الانتخابات المبكرة. على سبيل المثال، على الرغم من حرمان علي باباجان من المشاركة في برامج في القنوات الفضائية ذات نسب مشاهدة عالية، فإن الفيلم الوثائقي الذي يحكي قصة حزب الدواء (يترأسه باباجان) شاهده مليون ونصف المليون شخص في يومين فقط. بالإضافة إلى ذلك، تشير استطلاعاتٌ للرأي إلى تعادل في الأصوات بين أردوغان ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو الذي كان قد هزم الائتلاف الحاكم في الانتخابات المحلية العام الماضي، في حين تظهر استطلاعات أخرى أردوغان في المقدمة بفارق ضئيل. وهذا يعني أن الأمر يحسم في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المقبلة في حال إجرائها.
يقول الخبراء إن حزب العدالة والتنمية بدأ التعافي والانتعاش بعد سنتين من النعاس والخمول السياسي، حيث اتخذ خطوات مهمة لإزالة الأخطاء التي ارتكبها منذ عام 2015، خصوصا بشأن علاقته مع المجتمع وقاعدته الشعبية. حاول استعادة عاطفة الفئات ذات الدخل المنخفض بالمعونات في غضون تداعيات كورونا ونتائجها بتقديم قروض ذات فائدة متدنية من بنوك الدولة. والجمهور المستهدف لحملة القروض الرخيصة ولقرار خفض سعر الوقود هو الطبقات المتوسطة التي يمكن أن تشتري سيارة ومنزلا. لذا، الهدف من هذه القرارات ليس اقتصاديا ، بل سياسيا، حسب ما أفاد متخصصون. وأهم حملة سياسية لحزب العدالة والتنمية الذي يريد كسب مودة الطبقة الوسطى، هي استراتيجية تقسيم الأحزاب المعارضة. إنه يحاول منع أحزاب المعارضة من التلاقي من خلال تعميق الثغرات فيما بينها.
في مقابل ذلك، تحاول المعارضة في تركيا التصدي لاستراتيجية الحزب الحاكم هذه. بما أن الفوز 
يعتمد على 50% + 1، فإن هذا الحزب، العدالة والتنمية، يحاول إحداث تصدعات بين أحزاب المعارضة، وتوسيع الشقاق الأيديولوجي والسياسي القائم من خلال تجريم حزب الشعوب الديمقراطية المتحالف مع الأحزاب المعارضة الأخرى على أساس أنه الحزب الذي يدعم الإرهاب. واللافت أن حزب الشعوب الديمقراطية تم إعلانه حزبا يدعم الإرهاب (المقصود حزب العمال الكردستاني) بعد إعلان الرئيس السابق له، صلاح الدين ديميرتاش، رفضه الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي في هذه الفترة. بينما ظل هذا الحزب المعروف حزبا كرديا شريكا للحزب الحاكم، وكان قد تم وصفه بأنه حزبٌ يستحق التعاون.
إذن، كيف ستفوز الأحزاب المعارضة، المفترض أن تحصل على 50% على الأقل من الأصوات في الانتخابات المقبلة، بينما يتم إبعاد حزب الشعوب الديمقراطية عن الساحة السياسية بعد تجريمه؟ لذلك تحتاج الأحزاب المعارضة استراتيجية جديدة لدرء الشقاق، وإيجاد طريق يعزّز التحالف القائم بين الأحزاب المعارضة، لتتكمن من تحقيق فوز في الانتخابات.
من ناحية أخرى، ما زال "العدالة والتنمية" يتذكر الجروح الخطيرة التي لقيها في الانتخابات المحلية العام الماضي، ويحبذ معالجتها. وهو يدرك أيضًا أنه بات يعتمد على شريكه، حزب الحركة القومية ورئيس هذا الحزب دولت باهتشلي، المعروف بميله القومي المتشدّد، والذي يشجع الميل السلطوي للحكومة. وإلى ذلك، يرى الرئيس أردوغان أن هذه المشكلات قد تتحول إلى تهديداتٍ تشكل خطرا على مستقبل الحزب، فإنه يبذل جهودًا ويحاول التعافي. بالطبع، ستكون لدى المعارضة استراتيجية لتحرّكات حزب العدالة والتنمية هذه. بالتوازي مع ذلك، اختلف الخبراء بشأن ما إذا كان الحزب الحاكم سيفوز في الانتخابات المحلية. يقول بعضهم "مهما حاول حزب العدالة والتنمية، فإنه لا يستطيع استعادة الأصوات المفقودة، لأن مشكلة الثقة ما زالت قائمة"، ويقول آخرون إن الحزب الحاكم يمكن أن يتعافى.
بالطبع هناك أسئلة أخرى. هل المساعدات الاجتماعية والاقتصادية والقروض قادرة على أن تغطي على الأزمات والمشكلات وتنسيها؟ هل سوف يلفت فتح آيا صوفيا (الصرح والمسجد التاريخي في إسطنبول) انتباه الشباب الذين ابتعدوا عن "العدالة والتنمية"؟ هل يمكن لحزب العدالة والتنمية أن ينجح في إحداث تصدعات في صفوف المعارضة؟ وهل يمكن أن ينجح مرة أخرى في أن يكون أملا للطبقات المتوسطة، بفضل القروض والمساعدات التي يمنحها للذين يريدون شراء منزل أو سيارة جديدة؟ هذه أسئلة مطروحة الآن أمام الحكومة التركية.