تركيا إلى علاقات أكثر تأزّماً مع أميركا

تركيا إلى علاقات أكثر تأزّماً مع أميركا

23 ديسمبر 2020
+ الخط -

أعلن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أن بلاده ستطبّق عقوباتٍ على تركيا، وفقاً لقانون المكافحة من خلال العقوبات على الدول المعادية للولايات المتحدة (CAATSA)، بدعوى عدم تخلي تركيا عن استخدام منظومة صواريخ S-400 الروسية. والانطباع لدى بعض المسؤولين الأتراك أن العقوبات لم تُفرض سوى على ثلاثة أو أربعة موظفين رسميين، ما جعل أنقرة تتصرّف وكأنها لا تهتم كثيراً بما حصل. ومع ذلك، إذا اجتمعت العقوبات الأميركية والأوروبية قد يكون تأثيرها مدمّراً على الاقتصاد التركي بشكل واسع، وهو الذي يعاني من انخفاض الليرة التركية والعجز في الميزانية والعجز في العملة الصعبة في البنك المركزي التركي.

سبب العقوبات الأميركية واضح، حرص تركيا المعروفة بانتمائها إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) على استخدام نظام الدفاع الصاروخي S-400، والذي يزعم أنه من المستحيل دمجه مع أسلحة الحلف، وحتى نسب إليها أنها يمكن أن تنقل بعض المعلومات إلى الجانب الروسي. ويبدو أن السبب الحقيقي لحصول تركيا على هذا النظام الصاروخي، على الرغم من أسبابٍ كثيرة، ليس سوى نوع من الرشوة التي تم تقديمها للطرف الروسي، لكي يسمح لتركيا بتمرير خططها في سورية.

إذا اجتمعت العقوبات الأميركية والأوروبية قد يكون تأثيرها مدمّراً على الاقتصاد التركي بشكل واسع

على الرغم من أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أعلن عن نيته بشأن استخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرار، إلا أن من اللافت أن بومبيو لم يتوان عن إعلان العقوبة قبل أيام. لذلك يتوقع الخبراء أن تركيا قد تواجه موقفاً أكثر سلبية مما كانت تأمله بعد استلام جو بايدن الرئاسة في الولايات المتحدة، إذ لم تدفع بعد ثمناً غالياً، بسبب تدخل ممنهج للرئيس ترامب في العقوبات المفروضة علي تركيا خلال فترة الرئاسة.

وعند التركيز على الجزء البارز من العقوبات، نرى أنه عمد إلى تجميد أصول رئيس الصناعة الدفاعية، إسماعيل دمير، ونائبه ومدير شركة روكيتسان فاروق ييغيت، وسرحات جينش أوغلو من إدارة الدفاع الجوي والفضاء ومصطفى دينيز ألبر من إدارة البحرية، وتقييد تأشيرات السفر لهم. هذه العقوبات المفروضة على هؤلاء الأشخاص مرتبطة باختبارات لصواريخ S - 400 التي تم القيام بها في مدينة سينوب التركية في 16 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

لن تؤدي العقوبات، وكذلك الحظر العسكري والمالي الشديد، إلى نتائج حاسمة

ويبدو أن الرد التركي على العقوبات لن يكون شديد اللهجة، بالنظر إلى تصريحات المسؤولين الأتراك. وفقاً لمعلوماتٍ تم تسريبها للصحافة التركية، يتوجه موظفون إلى واشنطن كل أسبوع لجسّ النبض، وللاطلاع على مدى جدية العقوبات بعد حسم فوز بايدن. ولافت أن من يستنكر هذه العقوبات لم تكن الحكومة التركية فحسب، بل حتى المعارضة انضمت إلى قافلة الاستنكار والإدانة في الداخل التركي. وينص القرار الذي سيتم تطبيقه بعد المصادقة عليه في الكونغرس الأميركي، منع رئاسة صناعة الدفاع من الحصول على رخصة التصدير وتجنيبها من استقراض مبلغ يتجاوز عشرة ملايين دولار من المؤسسات المالية الأميركية والدولية. وحسب الخبراء، فإن هذه العقوبات هي أهون مواد لقرار العقوبات ضمن 12 مادة.

يتوجه موظفون إلى واشنطن كل أسبوع لجسّ النبض، وللاطلاع على مدى جدّية العقوبات بعد حسم فوز بايدن

وسبق أن خضعت تركيا أيضاً لعقوبات عسكرية شديدة في سبعينيات القرن الماضي، لكن تلك العقوبات، على الرغم من أضرارها على المدى القصير، أدّت إلى مزيدٍ من تطوير صناعة الأسلحة، وساعدت في التخلص من التبعية الخارجية في بعض القطاعات على المدى الطويل. وفي الواقع، لن تؤدي العقوبات، وكذلك الحظر العسكري والمالي الشديد، إلى نتائج حاسمة، ونعرف ذلك من العقوبات المفروضة على إيران وروسيا والصين، وحتى كوريا الشمالية، ولكن هذا لا يعني أن الدولة المعنية لن تعاني من العقوبات.

جاءت ردود الأفعال الدولية ضد العقوبات من روسيا وأذربيجان التي تحسّنت علاقتها مع تركيا بسبب دعم تركيا لها في إقليم كاراباخ، وإيران التي تعاني من العقوبات منذ مدة طويلة. وإذا كان تقرير للكونغرس بحق تركيا يشير إلى بعدها عن الغرب، وقربها إلى محور الصين وروسيا، لكن المؤشرات تقول إنه من المستحيل أن تتخلّى عن الدول الغربية التي تعود معظم صادراتها وواردتها إليها.

ويقول خبراء إن إخراج تركيا من برنامج إنتاج طائرات إف - 35 الأميركية العام الماضي التي تحمل أهمية كبيرة بالنسبة إلى الدفاع الجو التركي يعني أنه سيتم فرض عقوباتٍ شديدة على تركيا. وقد بدأ العمل على البرنامج عام 1999، وكان من المفروض أن تحلّ هذه الطائرات محل طائرات إف - 16 اعتباراً من عام 2010. كانت تركيا واحدةً من المنتجين المشاركين مع تسع دول، وأصبحت ثالث أكبر مشترٍ بطلب 120 مقاتلة. وتم دفع 1.4 مليار دولار للولايات المتحدة، بحسب ما أفضى به الرئيس أردوغان، لكن ثماني من طائراتها تمت مصادرتها. وتركيا لا تستطيع أن تملك هذه الطائرات التي تمنحها تفوقاً، على الرغم من أن منافسيها وأعداءها الإقليميين سوف يحصلون على هذه المقاتلات المتقدّمة جداً.