علي دوابشة وأتراب النار

علي دوابشة وأتراب النار

02 اغسطس 2015
+ الخط -
جميلة جاءت موجة التعاطف الكلامي والتفاعلي والإلكتروني، حيال جريمة حرق الطفل الفلسطيني، علي دوابشة، في الضفة الغربية المحتلة، غير أن شيئاً مهماً كان ينقصها، نقص بمثابة التشويه لحقيقة دامغة، جاء مرة أخرى ليُقرّ نهائيا بالتمسحة التي أخذت من حواسنا كل مأخذ، حتى لو كان الضحية جسداً طرياً بعمر البراعم الندية.
كثيرة هي المرات التي تلقفت بها التعليقات المتعاطفة مع الدم، استحياء بهزّة رأس، كاشفة لقلة حيلة معشر الفسابكة ووسائل التواصل، وعدم قدرتهم على الرد، إلا تعبيرا، لكنني، هذه المرة، وجدت نفسي شريكا بالجريمة، وجدت حالي من حال النار التي أحرقت وجه علي الذي لم تُكتب له الإطلالة على الحياة التي صادرناها منه، بإخفاء الحقيقة والالتفاف على قضيته، بنقص قاتل أحرق علي مرتين، وربما أكثر.
كاذبين كنّا ومتصنّعين ومفتعلين حالة اليأس والأسى والأحزان التي رصفنا بها صفحاتنا وحساباتنا. كاذبين، لأن الحزن استنفد نفسه أصلا، ومات وخبأ نفسه في أكفان أتراب النار في الشام، مع رفاق علي المحروقين بنار القتل والظلم وغازات الحقد وسموم الغطرسة التي لا تعرف الرحمة. كنا متصنّعين، لأن تعابيرنا وكلماتنا وتغريداتنا هجرت الإحساس، واختارت انسيابية أسهل، فضحت بصمات النسخ والقص واللصق لجمل وتغريدات مسروقة من جعبة المأساة الحقيقية. كنا مفتعلين، لأننا كتبنا بعض ما كتبناه، قبل النظر إلى وجه علي اصلاً، وقبل التعرف إلى ما كدّسه من عمر في حصّالة الشهور.
تفقدنا دوامة الحرب والنار المفتوحة، كل شيء، تفقدنا صدقنا في رفع الصوت والصراخ حتى افتراضيًا، وهذا ما سيُعفي القاتل من أي رد، لو قُدِر له أن يكون أمامنا وبين أيدينا المدججة بكل أنواع السلاح. فقدنا سلاح الحس الفوري والتلقائي مع جراح هي كبيرة بالأصل، ولا تندمل وتسيل لحظيًا، فما نفع أي سلاح مع قاتل يذهب إلى جريمته كل يوم، وفي باله شعوب لن تتقدم في ميادين القتال، إلى ما هو أبعد من جبهات الهاشتاغ المشلولة عن أي وظيفة، إلا وظيفة الاستعراض.
نعم، لكل منا اليوم أتراب في النار، لعلي دوابشة أترابه الذين حظيوا بوقفة صادقة أكثر. وهو، مع ذلك، لن يسأل ولن يستكثرها عليهم، طالما أنه يُحلّق معهم الآن في سرب طيور الجنان، الطاهرة والبعيدة عن كذبنا.
ونحن أيضا لنا أترابنا، يتحلّقون ويتسمرون أمام كل الشاشات، يسكبون حريق مشاعرنا، ووقودًا من موت وشلل وتمسحة.
avata
avata
عمر الفاروق النخال (لبنان)
عمر الفاروق النخال (لبنان)