إسلامنا و"شارلي إيبدو"

إسلامنا و"شارلي إيبدو"

13 يناير 2015
+ الخط -

لم يسبق لحرية التعبير أن عاشت هذا المدّ والجزر في الجدالات، كما تعيشه، اليوم، في أعقاب الجريمة الإرهابية التي استهدفت مجلة شارلي إيبدو الفرنسية، ليس بسبب الازدواجيات القائمة لدى بعض منظري الحريات، بل بسبب غياب القراءات الناضجة والعميقة لجريمة نجحت في تسجيل نقطة ضد المسلمين.
مجرد حضور بنيامين نتنياهو إلى جانب قادة العالم، كتفا إلى كتف، في التظاهرة التاريخية الرافضة للإرهاب في باريس، كان بمثابة صفعة أيقظتنا، لإدراك الوقت الكبير الذي أهدرناه في ذرف المواقف المترددة والحائرة بين تأييد ضمني للجريمة، رداً على الإساءات للنبي محمد صلى الله عليه وسلّم من دون التعليق، أو رفض الجريمة، مع التذكير بمساوئ المجلة الساخرة، أو التضامن مع حرية الصحافة، من دون تبني مضامين المجلة المُستهدفة، إلى ما هنالك من خيارات ومواقف، في وقت كان المسرح الفرنسي يقارع الوقت، ويُنقّي نفسه من كل أشكال الخلافات حول المجلة، لتحضير إطلالة مليونية ترفض الإرهاب، وتُعلي راية الحريات بمشهدية حضارية، لا يمكن بعدها الندم على سوء التحضير والإعداد في العالم الإسلامي لهذا الحدث المهم.
مجددًا، جاءت هذه المحرقة لتحرمنا، كمسلمين، من إطلالة مشرقة ومتكافئة، لنرى أنفسنا ما بين طرح متسم بالقدر الكبير والوافي من الاعتدال، وطرح ناقم، أصلاً، على كل الأديان السماوية، ما يعني أن القدرة على محاصرة هذا الفكر كانت قوية ومتاحة، لولا إضاعة الوقت من مسلمين لم يقدّموا وقفة حيادية بصمتهم، بحيث شهدنا مليونية مُحقة بطرحها الهادف إلى حماية الحريات في معزل عن وجوه الإرهاب وألوانه المستخدمة في رسمها، وزاوية باهتة لممثلين متباكين على عدم فوزهم بأحد أدوار المسرحية التي صاغوا معظمها بريشة التردد!
ما يعزينا في مهب هذه الواقعة الدقيقة، أن مسلمي فرنسا الذين سرعان ما أسميناهم أولى ضحايا ردّات الفعل بعد جريمة "شارلي إيبدو"، كانوا أعمق، بطرحهم وقراءتهم للمشهد المتأزم من مسلمي العالم العربي، فكانوا جزءًا من المشهد الإعلامي والحواري الفرنسي، بمشاركة حية وفعّالة، في حين جاء سيل المواقف المستنكرة للجريمة من كل المرجعيات الإسلامية بطاقة إنقاذ للمسلمين.
منذ البداية، كان موقفنا، كمسلمين، أن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أكبر من أي رسوم مسيئة، وديننا الحنيف يرفض كل أشكال الإرهاب والقتل، وهذان سببان كافيان لتكون قراءتنا لجريمة "شارلي إيبدو" موضوعية، وبعيدة عن التردد، وشجاعة أكثر في الولوج إلى مناظرة فكرية حقيقية!

avata
avata
عمر الفاروق النخال (لبنان)
عمر الفاروق النخال (لبنان)