على هامش الجائحة

على هامش الجائحة

22 مارس 2020
+ الخط -
في ظل جائحة كورونا التي تضرب العالم منذ نحو ثلاثة أشهر، ومع المتابعات اليومية للأخبار التي تصف هول الفاجعة على العالم، إضافة إلى ما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن تسجيل مجموعة من الملاحظات على هامش هذه الجائحة. 
لعل الملاحظة الأولى هي عمومية فكرة "نظرية المؤامرة"، إذ إنها ليست حكراً على مواطني الدول العربية، والذين يبرعون دائماً في ربط كل الأحداث المحلية والعالمية بهذه النظرية، بل هي ممتدة في أرجاء الكوكب، فبعض المواطنين في بريطانيا، على سبيل المثال، مقتنعون بأن هذا الفيروس مؤامرة صينية - روسية، لضرب الدول الغربية، ويجادلون بأن الاقتصاد الصيني اليوم تعافى بشكل تام (رغم أن لا دلائل على ذلك)، وأن روسيا تكذب في ما يتعلق بالإصابات لديها، وهي أقل تأثراً بالفيروس. آخرون يؤكدون بأن اللقاح موجود لدى الصين، وهي تنتظر الوقت المناسب لمساومة الغرب عليه مقابل مكاسب كبيرة. قد لا يكون مستغرباً أن يكون الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، شخصياً مؤمن بهذه النظريات، وخصوصاً أنه بدأ بإطلاق اسم "الفيروس الصيني" على كورونا. وعلى الرغم من أنه لم يصرح حتى الآن بنظرياته، لكنها قد تأتي في مقبل الأيام على شكل تغريدة تفاجئ العالم.
للعرب نظرياتهم المؤامراتية أيضاً حول الفيروس، لكنهم لا يوجهون الاتهام للصين أو روسيا، بل للولايات المتحدة وإسرائيل، فتلك الطبيبة المصرية - الأميركية خرجت في تسجيل مصوّر وأدلت "بنظريتها العظيمة" حول المؤامرة الأميركية لإيهام البشر بوجود هذا الفيروس لدفعهم إلى المزيد من الاستهلاك، داعية المصريين إلى عدم الامتثال للتعليمات الصحية وتجاهل الفيروس. المشكلة أن هذا العته وجد من يصدّقه في الأوساط العربية عموماً، وليس المصرية فقط، وتمت مشاركة الفيديو أكثر من 13 مليون مرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ما يؤشر إلى قناعة متبلورة بالمؤامرة، وهو ما قد ينعكس مزيداً من الاختلاط والإصابات لاحقاً.
الملاحظة الثانية مرتبطة بالسلوك الاجتماعي الذي بدأ بالتغير منذ إطلاق التوصيات العامة بعدم المصافحة والاختلاط والابتعاد قدر الإمكان عن التجمعات. مع الوقت، والذي يبدو أنه سيكون طويلاً، ستتحول هذه الإرشادات إلى سلوك بشري عام. فاليوم، كثيرون منا باتوا يستنكرون مشهد مصافحة في الشارع، أو حتى على التلفاز، ولو كان ضمن مسلسلات وأفلام سابقة لعصر كورونا، ما يعني أن شكلاً جديداً للتحية في طريقه إلى التكون. الأمر نفسه بالنسبة إلى التجمعات، التي لم تعد تتخطى ثلاثة أفراد، هذا في حال استطاع هؤلاء الأفراد التجمع، الأمر الذي سيطول مع الوقت. أما غسل اليدين، ورغم أننا كنا نقوم به قبل كورونا، إلا أنه سيتحول إلى هاجس مع الوقت، فبعد لمس أي شيء في المنزل أو خارجه، تجد نفسك تلقائياً متوجهاً إلى أقرب صنبور مياه لغسل يديك عشرين ثانية أو أكثر.
الملاحظة الثالثة تتعلق بشكل النظام العالمي. لا شك في أننا نشهد انهيار المنظومة العالمية السابقة، وانغلاق الدول على نفسها، في مشهد لم يتكرر في السابق، حتى إبّان الحربين العالميتين. من غير المعلوم كيف سيكون عليه الشكل الجديد للنظام العالمي، لكنه بالتأكيد سيكون مختلفاً عما كنا معتادين عليه في السابق، من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والعلاقات بين الدول، مع ظهور بوادر انهيار الاتحادات.
جائحة كورونا اليوم تغير شكل الحياة بالمجمل، ويمكن أن تكون مؤسساً لمرحلة تاريخية جديدة، كما كانت الحربان العالميتان مؤسستين لأنظمة عالمية جديدة، فما بعد ظهور كورونا من المؤكّد أنه لن يكون كما قبله.
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".