حصار غزة: أوضاع أسوأ من ظروف ما قبل 2014

حصار غزة: أوضاع أسوأ من ظروف ما قبل 2014

08 فبراير 2018
اعتصام مطالب برفع الحصار (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -


بات الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض على قطاع غزة، أقسى وأصعب وأكثر خطورة، في ظلّ إجراءات مستمرة تتخذها كل الأطراف المؤثرة، للضغط على مليوني فلسطيني في البقعة السكانية الأكثر اكتظاظاً في العالم، بما وُصف بأنه "أكبر سجن من دون أبواب (معابر)". ومع دخول الحصار عامه الثاني عشر على التوالي، دخلت غزة في أوضاع غاية في الصعوبة، وتشابكت فيها الأحوال الاقتصادية القاسية مع نقص السيولة وارتفاع البطالة والفقر والعوز، وزادت من حدتها الإجراءات التي اتخذتها القيادة الفلسطينية ضد القطاع، واستمرار إغلاق معبر رفح البري في وجه السكان. أما إعلان السفارة الفلسطينية في القاهرة، أمس الأربعاء، أن "السلطات المصرية قررت فتح معبر رفح البري ثلاثة أيام بدءاً من أمس الأربعاء حتى يوم غد الجمعة، لسفر وعودة المواطنين في الاتجاهين"، فقد حمل الكثير من فداحة المأساة، ذلك لأن الفتح المؤقت للمعبر خطوة رمزية، إذ مر مثلاً 50 يوماً منذ آخر مرة فتحت فيها مصر المعبر ليومين أو ثلاثة أيام.

وحلّت قضية فتح المعبر، مع محاولة إسرائيل تبرئة نفسها من الأزمات الإنسانية والمعيشية والاقتصادية التي وصل إليها القطاع، من خلال القول إنّ "ما جرى في غزة هو نتاج تعثر المصالحة الفلسطينية وليس منها، ونتاج استمرار إغلاق معبر رفح وتمسك حماس وفصائل أخرى بالعمل على تطوير قدراتها العسكرية".

وبات الحديث الإسرائيلي منصباً على تحريض الشارع الفلسطيني على المقاومة، تحديداً مع رصد عشرات الصفحات عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، المستهدفة للمقاومة والمسيئة لها، ومصدر هذه الصفحات في الغالب إسرائيل. وكان مفاجئاً ما أعلنه وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أخيراً من أنّ "مصر تنسق مع إسرائيل في العديد من القضايا، رغم انشغالها بالمشاكل الأمنية في سيناء، ومنها إدارة معبر رفح البري". وأضاف أن "الحكومة الإسرائيلية لديها اعتبارات خاصة في ما يتعلق بفتح معبر رفح البري، ومتى وكيف ولمن يفتح".

واعتادت مصر إغلاق المعبر الوحيد لمعظم سكان غزة منذ أكثر من خمسين يوماً بشكل متواصل، مع فتحه لأيام معدودة جداً، ولا تسمح للجميع بالمغادرة والعودة إلى القطاع، مع تزايد أعداد المسجلين الراغبين في الخروج من غزة لحاجات إنسانية، وتزايد أعداد العالقين خارج غزة والراغبين في العودة إليها.

وباتت الأوضاع الحالية في القطاع مشابهة لتلك التي كانت قبيل عدوان عام 2014، لناحية تشديد خنق القطاع وتشديد الحصار وإغلاق معبر رفح بشكل شبه دائم، ولجهة انهيار الوضع الإنساني والمعيشي وتعثر "حماس" في تأمين رواتب الموظفين. لكن الفارق بين اليوم وما قبل 2014، أن حركة "حماس" في ذلك الوقت كانت لا تمانع في دخول مواجهة جديدة، أما اليوم فهي تنظر إلى المواجهة المقبلة على أنها استدراج لمزيد من المآسي في القطاع الساحلي المحاصر، ولتمرير صفقة القرن.



وسيصبح من الصعب الخروج من المأساة التي يتسبب بها الحصار الإسرائيلي والتشديد والتضييق بسهولة، مع تحذيرات من أنّ القطاع سيشهد كارثة لن يكون بمقدور مليوني فلسطيني تحملها ببساطة، ما يحتم الخروج من هذا المأزق بخيارات قد يراها بعضهم قاسية.

في هذا السياق، يقول رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، النائب جمال الخضري لـ"العربي الجديد" إن "أوضاع القطاع باتت واضحة للجميع، إذ باتت كارثية بشكل سريع ومتسارع بعد مرور 12 عاماً على الحصار وثلاث حروب شنها الاحتلال ضد غزة". ويوضح أن "معدلات الفقر باتت في ارتفاع كبير في الفترة الأخيرة ويتلقى أكثر من مليون ونصف مليون غزي مساعدات تشكل مصدراً أساسياً لهم للعيش، إذ يتقاضى مليون لاجئ مساعدات من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) ونصف مليون من المؤسسات العربية والدولية".

ويلفت إلى أن "أي توقف في الخدمات والمساعدات الغذائية التي تقدمها أونروا لمليون لاجئ فلسطيني يعيشون في القطاع الذي يشدد الاحتلال في الفترة الأخيرة حصاره عليه، سيعرضهم للمزيد من الأزمات الإنسانية والمعيشية القاسية". ويضيف الخضري أن "الحصار المفروض على غزة منذ عام 2006 هو أحد أشكال الاحتلال والإجراءات التي اتخذها بعد عام 1967، في الوقت الذي يكتفي فيه المجتمع الدولي بتشخيص الحالة ووصف ما يجري في القطاع، دون اتخاذ أي خطوات وإجراءات عملية".

وكان المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، ذكر أنّه "على مدار 12 عاماً، تسبب الحصار بأزمات إنسانية متكررة نتيجة لتقييد حركة السكان ونقص الأدوية والمعدات الطبية وقلة الوقود، إضافة إلى القيود المفروضة على دخول مواد البناء الأساسية".



سياسياً، يربط المحلل السياسي تيسير محيسن لـ"العربي الجديد"، بين الضغط المفروض حالياً على القطاع وبين محاولات تمرير صفقة القرن التي أعقبت البدء في تنفيذ إجراءات المصالحة الفلسطينية، التي كان يراد منها سحب المشهد السياسي من حركة "حماس" عبر تسلم السلطة الفلسطينية السيطرة كاملاً على غزة.

ويقول محيسن إن "الرغبة كانت بإيجاد موقف فلسطيني موحد يسهل الضغط عليه من قبل مختلف الأطراف الدولية للقبول بما يعرف بصفقة القرن أو إعلان (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، من دون أن يكون هناك أي أطراف سياسية فلسطينية تؤثر على ذلك".

ويوضح أن "الضغط المفروض على القطاع حالياً يهدف إلى الحصول على نتيجة معينة وسيستمر من دون توقف إلى حين الوصول لهذه النتيجة، إلا أنه سيكون وفق سقف معين، وعندما يقترب هذا السقف من الانفجار سواء شعبياً أو حتى عسكرياً من قبل فصائل المقاومة التي لن تنتظر أن ترتد عليها تبعات هذه الأزمات واشتداد الحصار الخانق".

ويستبعد محيسن أن "تكون هناك مواجهة في المنظور القريب، خصوصاً أن الاحتلال الإسرائيلي لا يسعى إلى حرب في الفترة الحالية، ولأنه نجح في تطبيق سياسته من دون الحاجة إلى أي مواجهة جديدة ضد القطاع". ويرى أن "استمرار السياسة الحالية التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي من خلال زيادة الضغط والأزمات بغزة وتمكنه من تفكيك إمكانيات المقاومة كملف الأنفاق بهدوء، وبدون أي مواجهة مكلفة سيعزز من مبدأ المحافظة على الواقع الحالي في الوقت الذي سيستمر الحصار معه في الارتفاع". ويلفت إلى أن "إسرائيل تراهن على فرص الضغط الذاتية وهي أن واقع القطاع لا يحتمل ولا يسمح بأي حرب جديدة، وهو ما تدركه قيادات فصائل المقاومة الفلسطينية وهي التي تحاول عدم الدخول في مواجهة جديدة ستكون أكثر كلفة من سابقتها".



المساهمون