عقود الوهم البيئية والتنموية

عقود الوهم البيئية والتنموية

02 أكتوبر 2016
الأمراض ما زالت تنخر البلدان النامية(هوانغ دن نام/فرانس برس)
+ الخط -
أربعة عقود ونصف منذ انطلاق أجراس التنبيه للقضية البيئية من نادي روما (1972) ثم مؤتمر استوكهولم في العام نفسه، والالتفات إلى فقراء الريف إيذاناً بدخول مفردات عدالة توزيع الدخل والفقر في سياسات البنك الدولي (1973).

عقد السبعينيات ذلك أسماه الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحيم بلال "عقد السراب والأحلام الوردية". وقد صدق، إذ ما زلنا نراوح بين ما كان في الخمسينيات والستينيات، وما جاء بعدهما في ما يخص الشأن البيئي التنموي من خلال عشرات المؤتمرات، وآلاف الأفكار المتداولة هنا وهناك لم يغير هذه الحقيقة.

اهتم العالم في الخمسيينات بالمفهوم الكمّي للتنمية، ما أورثنا أمراضاً ما زالت تنخر في جسد البلدان النامية، فالنموذج الغربي هو السائد، يشاركه منهاج قومي متحيّز للحضر على حساب الريف، وسياسات تنموية غير متوازنة بين الأقاليم في البلد الواحد، وفساد في إدارة الموارد، لتصبح الأقاليم ذات الثراء البيئي محط اهتمام أهل الحظوة من مسؤولي الأنظمة الحاكمة. يمسك الواحد من هؤلاء مقاليد السلطة والثروة ضارباً عرض الحائط بكلّ ما يتعلق بالشأن البيئي والتنموي، من دون أن ينسى ترديد شعارات "الصحة للجميع.. التعليم للجميع.. الغذاء للجميع.. السكن للجميع" التي أطلقتها منظمات الأمم المتحدة في عقود الوهم تلك. قد يزيد عليها "الوطن للجميع" بينما الواقع يكذّب كلّ ذلك. فالراعي غير آمن في مرعاه بسبب الحرب وآليات الاستثمار الزراعي.. والمزارع ليس بأفضل حال من العامل وصاحب الحرفة. بل المواطن في قلب المدينة غير آمن في بيئته من هجمات الاستثمار على الساحات، ولا هو قابض على حقوقه في الحصول على خدمات المياه والطاقة والعلاج والتعليم والأمن.

لاحقاً، ظهر الاهتمام بالقضية الاجتماعية، ومحاربة الفقر، وتداول الناس مفاهيم رأس المال الاجتماعي، والحكم الرشيد، والأهداف الإنمائية للألفية، وحقوق المستهلك، وأهداف التنمية المستدامة. كلّ هذا لم يأتِ بجديد على أرض الواقع، فقد زادت حدة التوترات بسبب الصراع على الموارد المتناقصة نتيجة السياسات الخرقاء، وأصبح الهم البيئي وقفاً على بعض المنظمات المدنية المكبلة الخطى.

يؤكد الدكتور بلال أنّه لا بدّ من وقف إهدار المال العام، والعمل على رتق النسيج الاجتماعي، وتحقيق الجودة والأمان والإنتاج وصولاً إلى الكفاءة الاقتصادية، الأمر الذي يحتم الالتفات إلى ما يحقق الكفاءة البيئية. وهو ما لن يتحقق إلا بتحقيق الكفاءة السياسية ومتطلباتها من حكم رشيد، واستقرار وأمن وشفافية.

في السودان مثال شعبي يؤكد عودة الحياة إلى كامل الجسد إن تعافى الهيكل: "إن سِلِمْ العود.. اللحم بِعود".

*متخصص في شؤون البيئة

دلالات

المساهمون