عطيّة الفيومي يعيش بين الجنّة والنار

عطيّة الفيومي يعيش بين الجنّة والنار

30 ابريل 2016
هناك جنة الدنيا وهنا نارها (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن عامل جمع القمامة عطية الفيومي يدرك أنه سيعيش كل يوم بين نقيضين. فهو يذهب إلى الجنة، شوارع الأغنياء، لينظفها، ويعود إلى الجحيم، مكان سكنه، لينام على الورق المقوّى، بعد أن يلمّ ما يسدّ به جوعه من النفايات نفسها.

عطية واحد من جامعي القمامة الجدد في المدن الحديثة في مصر. ليس هؤلاء مثل أولئك الذين يعملون في الأحياء شبه العشوائية والذين يمتهنون جمع القمامة منذ أعوام طويلة. بل هو أحد الوافدين من محافظته إلى مدينة السادس من أكتوبر. يملك كغيره دراجة ثلاثية العجلات مجهّزة بصندوق مكشوف للتحميل، ويعيش في غرفة سفلية في بناء قيد الإنشاء. ويحلم بتأسيس مشروع ما، في يوم ما. لكنّه اليوم لا يجد سوى العمل في جمع القمامة، لسد رمق ما تبقى من عائلته. وهم زوجة وابنان يعملان معه.

حتى وإن لم يعمل إبنا عطية عمله، فهما محكومان بحياة محددة كونه والدهما. وآخر التصريحات كلام لوزير العدل المصري السابق محفوظ صابر، قال فيها إنّ أبناء عامل القمامة لا يمكن أن يعملوا قضاة، لأنّ "عمل القاضي عمل شامخ يفترض أن يكون من وسط مناسب له. ومن الضروري أن يكون الوسط الذي ينشأ فيه القاضي وسطاً مناسباً ومحترماً".

من جهته، يقول عطية: "نحن لا نعيش عيشة الآدميين، بل بالكاد نأكل ونشرب". رحلته اليومية تبدأ فجراً. لا يحتاج عطية وابناه أن يوقظهم أحد، فالبرد والحر ـ على حد سواء ـ يتكفلان بذلك. يبدأون بعدها رحلة جمع النفايات من أمام أبنية وقصور الأغنياء والفلل الفخمة في الأحياء الراقية.

لا ينسى عطية يوم أقام أحد الأغنياء وليمة وحفلة عيد ميلاد لإحدى بناته. فالطعام الفاخر، واللحوم، والوجبات الجاهزة، وقوالب الحلوى، وبذخ الليل، انعكس على قمامة الصباح. قال له الحارس يومها: "انتبه فزبالة اليوم تختلف عن أي يوم آخر، لديكم وليمة فحافظوا عليها، افرزوها ستجدون ما لذّ وطاب بينها".

على الرغم من التناقض الذي يعيشه عطية، فهو يقول إنّ الله لا ينسى أحداً من عباده. ويضيف: "نجمع القمامة يومياً، ونذهب بها إلى غرفتنا. نفرز الورق والحديد والبلاستيك من بينها، ونصنّف كل صنف من الأصناف وحده، ثم نبيعه لتجار الخردة. زوّجت بناتي من هذه المهنة التي يكفينا دخلها لنعيش". لكنّه يؤكد: "نحن نعيش على قدر حالنا، لا كما يظن البعض في أنّ جمع القمامة يحقق الثراء. من يعملون في هذه المهنة كثيرون وهناك منافسة كبيرة بين جامعي القمامة. الآخرون هم الذين يعيشون ببذخ. حتى أنّك لا تصدق أنهم في مصر على الإطلاق. يملكون قصوراً وفللاً وحمامات سباحة وأسواراً عالية وحواجز تجعلك تتساءل من أين أتى هؤلاء بكل هذا؟ وكيف يذهب الفقر بنا إلى أبعد مدى، وهؤلاء يبذخون من حيث لا يعلمون؟ هناك جنّة الدنيا وهنا نارها.. وما بين الاثنين نذهب ونجيء كل يوم".


عطية ومن مثله، لا تغطيهم أيّ نقابة. يقول: "نقابة عمال جمع القمامة الرئيسية تضم العاملين في محافظة القاهرة. أما المدن والأحياء الجديدة فلا توجد لها نقابة. نعمل بمجهودنا الخاص. بل تطاردنا البلدية أيضاً وتتهمنا بأننا نجمع المخلّفات الصالحة فقط لإعادة التدوير، مع أنّ جهودنا هي ما تجعل شوارع تلك المدن نظيفة، فلولانا لأصبحت أكواماً من النفايات، لأنّ البلدية هي المسؤولة عن إزالة القمامة. لكنّ موظفيها لا يعملون بكفاءة نظراً لضعف رواتبهم، ومعظمهم يعمل في أشغال أخرى".

من جهته، يقول ناجي، إبن عطية: "العاملون في جمع القمامة في مصر، ثلاثة أصناف: الأول يعمل لدى البلدية، وهم موظفو حكومة بمكافأة هزيلة لا تتجاوز 300 جنيه (33 دولاراً أميركياً) في الشهر، ولا يتقاضون رواتب، ويعتمدون على التسوّل في الشوارع غالباً. والصنف الثاني جامعو قمامة مثلنا لكنّهم قدامى، يربون الخنازير لتتغذى على مخلفات الزبالة بعد فرزها. أما الصنف الثالث فهم حديثو العهد بالمهنة كحالنا. معظمهم يقيم في المدن الجديدة، وهؤلاء يفرزون القمامة في أماكنها أو يأخذونها معهم. هم ينظفون الشوارع من أي مخلفات، لكنّ المخلفات النهائية لا يتخلصون منها، وهؤلاء أشبه بالعاملين في المهن الحرة، بلا مرتبات أو تأمينات".

من جهته، يقول المعلم حليم، وهو من كبار مربّي الخنازير في منطقة أرض اللواء في الجيزة بالقرب من العاصمة، إنّ مهنة جمع القمامة في طريقها إلى التحسن، ويشير إلى أنّ المحافظة بدأت تهتم بعمال الجمع، وتقيم دور رعاية لهم، وتبحث مشاكلهم عبر جمعية جامعي القمامة".